(( دور المستهلك يتمثل في امتلاك الوعي والابتعاد عن الانهزامية ))
أبدى المحللون الاقتصاديون والماليون وجهات نظرهم حول موجة الغلاء التي تعصف باقتصادنا، بطرح حلول ومقترحات منها ما يمكن قبوله ومنها ما يمكن دحضه بسهولة. فعلى سبيل المثال: عندما يقترح البعض فكرة الدعم الحكومي لمواجهة موجة الغلاء. فكيف يمكن تطبيقه في ظل انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية. فمن ضمن الشروط بين المملكة والمنظمة، حسب علمي، وقف أي شكل من أشكال الدعم للمنتجات الوطنية إلا للسلع التي تمثل أمنا غذائيا للدولة كالقمح ولفترة محدودة. إلا أننا يجب أن نكف عن هذا الجدل، ونركز على القضية الأساسية وهي كيف نواجه هذه الظاهرة كمستهلكين بصفتنا الفئة الأكثر تضررا، خاصة أن الجهات المعنية لم تقدم شيئا، وأعلنت عجزها، وكل جهة ترمي بالمسؤولية على الأخرى، لذا جاء دورنا كمستهلكين وقبل هذا كمواطنين. يجب أن ندرك أننا نحن كمستهلكين طرف قوي ومؤثر في حركة الصراع هذه، فنحن الذين ندير السوق، بل نحن الذين نصنع ونشكل الأسواق لأننا نمثل أحد الأقطاب الأساسية لمحرك قوى السوق، نشتري ما يناسبنا ونهجر السلع عالية الثمن حتى تعود لقيمتها التي تعادل منفعتها وإلا ندعها. ألم تعلموا أننا نحن الذين أجبر شركات الدنمارك صاحبة العلامات التجارية الشهيرة أن تستظل بعلامات تجارية مغمورة كي تتوارى عن أنظارنا لتدخل أسواقنا على حين غفلة إبان المقاطعة المعروفة؟ ألم تعلموا أننا من ألجأ البنوك التقليدية إلى تهذيب كثير من برامجها التمويلية وأصبحت تستحي أن تجاهر بالقروض إذا لم تكن معتمدة من الهيئة الشرعية؟ ألسنا نحن من أجبر الشركات المساهمة على نشر قوائمها المالية لنتأكد من سلامة أنشطتها إن أرادت أن تغطي اكتتابها. لماذا يخطبون ودنا؟ لأنهم يدركون أننا نمثل كفة رئيسية في ميزان تصارع القوى؟ وعندما نتكلم عن مصطلح "توازن القوى" أو ما يطلق عليها أحيانا بـ "تصادم القوى" فإن هذا يعود بنا إلى نظرية سلسلة القيادة لـ "تنبيوم" و"سيقمت". ترى هذه النظرية أن القيادة عبارة عن ميزان يمثل إحدى كفتيه قوة القائد، بينما تمثل الكفة الأخرى قوة الموظفين. ترجح كفة القائد عندما يستأثر باتخاذ القرار منفردا فتتشكل القيادة الدكتاتورية، بينما ترجح كفة الموظفين عندما يمنحهم القائد حرية مطلقة في اتخاذ القرار فتتكون القيادة الفوضوية، وهذان موقفان غير مقبولين في مجال الأعمال. لذا تلجأ المنظمات إلى جهة محايدة تدير ميزان القوى لتبقي الكفتين متوازيتين وبذا تنشأ القيادة الديموقراطية. فإذا طبقنا نظرية القيادة الآنفة الذكر على الأسواق فإن المنتجين والموزعين والبائعين ومن في حكمهم يمثلون أحد كفتي الميزان وطرفا رئيسا من أطراف الصراع، والمستهلكين يمثلون الكفة الثانية، وليس هناك طرف ثالث. ولهذا يمكن أن ترجح الكفة الأولى عن طريق الاحتكار، والتحالف ورفع الأسعار بدون مبرر، أما كفة المستهلكين فتقوى عن طريق التوجيه والإرشاد والوعي والمقاطعة وتغيير سلوكيات الشراء، وهذا بدوره يؤدي إلى الإغراق وحرب الأسعار، وكل هذا وبال على الاقتصاد الكلي. وتعتبر وزارة التجارة ومن في حكمها الجهات المحايدة التي تشرف على توازن قوى السوق كي تحافظ على الكفتين متوازيتين حتى لا يصل الأمر إلى حالة من التطرف والاستبداد. إلا أن هذه الجهات في بلادنا تعمل خارج اللعبة وليس لها أثر في ميزان القوى، فما الحل؟ في البداية يجب إعادة هيكلة الجهات ذات العلاقة حتى تكون قادرة على إدارة السوق والتحكم في كفتي الميزان. ولا غضاضة في ذلك فكثير من الدول تقيم وزاراتها وهيئاتها بين الوقت والآخر حتى لو وصل الأمر إلى أن تحل الهيئات التي تتهاوى إنجازاتها. وهنا نتذكر إحدى دول القارة الأمريكية التي ألغت وزارة الإعلام لأنها تستنزف جزءاً من ميزانية الدولة في الوقت الذي يتناقص أداؤها فأصبحت عبئاً على الحكومة فاتخذت القرار بإلغائها. وموضوع إعادة الهيكلة لتلك الجهات حتى تكون قادة على إدارة ومراقبة ميزان القوى، يستغرق سنين عددا وحتى يتم هذا، ما العمل؟ وما المخرج؟ وكيف نتصرف؟ هنا يأتي دور المستهلك في إدارة معادلة الصراع. إن دور المستهلك الرشيد يتجلى في مثل هذه الظروف لمنع تكتل الشركات وإبرام التحالفات. لذا يجب الكف عن الانهزامية والخنوع والتباكي أمام الجهات التي أعلنت عجزها وعدم مقدرتها على إدارة الأزمة، ولنبدأ بالعمل كمستهلكين وقبل هذا كمواطنين نمتلك الوعي والإرادة والقرار والمعرفة 0
الدكتور سعيد علي العضاضي - أستاذ التسويق المساعد ـ جامعة الملك خالد