حمدلله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد , وعلى آله وصحبه أجمعين , ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد :
فكلنا يعلم مدى الضرر الذي ألحقه التجار الجشعون , والرأسماليون المفترسون بالمسلم الضعيف المغلوب على أمره .
وليس هذا فحسب !!
بل لقد تعدى جشعهم على البهيمة التي لاتملك حولا ولا طولا , حين بالغوا في أسعار الأعلاف مبالغة لامثيل لها !!
وصور الاعتداء التي تمارسها هذه الفئة الباغية على الضعفاء كثيرة , وحيلهم متعددة , ليس آخرها الأسهم وخديعتها , ولا المساهمات وسرقتها , ولا القروض وضخامتها ودخول أغلبها في حوبة الربا , ولا الغلاء الفاحش على السلع والأدوات .
وتنافس هذه الفئة الباغية في إلحاق الضرر بالمستضعفين , صار محموما , وكأن لسان حال بعضهم يقول : بيدي لا بيد عمرو .
وحتى أصبح المستهلك المستضعف كالجمل الذي أجهز عليه فمزقته السكاكين .
صورة من صور السلب والاعتداء , بل هي سرقة مفضوحة , واعتداء على الأموال , ليست أقل من سرقة السيارة , أو السطو على المنزل , وهو الأمر الذي أصبح في عداد المألوف , بل إنك قد تستنكر إن بقيت يوما كاملا لم تسمع فيه خبرا لسيارة , أو منزل , أو متجر , أو منشأة قد سرقت , فالله المستعان .
هذه الصورة تمارس بأيدي من يتظاهرون بالنزاهة , ويستعلنون بالعفة , ويتدثرون بالفضيلة , وهم وللأسف الشديد يزيحون ورق التوت الذي يغطي ما تبقى لهم من سوأة .
إنهم بعض أصحاب أسواق التموين مثل بندة ونحوها .
حيث يقومون بعرض المنتج بسعر في لوحة صغيرة أمام المشتري , ثم يأخذون منه عند المحاسبة أكثر مما رسموا له , ولو بفارق يسير ربما لايفطن له .
يخدعون عينه , ويسرقون جيبه !!
أعرف أن بعض الناس سيعتذر لبعض التجار بصلاحه , أو بإنفاقه , أوحتى بعدم علمه , وكل هذا لايكفي , فالذي لم يتردد لحظة في رفع سعر المنتج حتى ولو كانت لديه منه كمية قبل ارتفاع سعره مراعاة لمصالحه , فلن نتردد في فضح تلاعبه بسرقة أموال الناس بطرق مكشوفة أو ملتوية .
التاجر الذي يحمي نفسه من ضياع حقه , يجب عليه أن يحمي المستهلك من جشعه , أو أن يتحمل تبعات ذلك .
والتاجر الذي استطاع أن يبرمج الأسعار في كابينة المحاسبة ( الكاشير ) كيف عجز عن إعادة تسعير المنتجات حتى لايخدع عين المستهلك ؟ .
يجب أن تستيقظ وزارة التجارة التي دافعت عن الغلاء , والتمست للتجار الأعذار , وخذلت المستضعفين في موطن تمنوا فيه نصرتها لهم , لتضع حدا لهذا الجشع , أو تعلن بصريح العبارة أنها فاشلة , وأنها ليست أهلا لتحمل هذه المسؤولية .
يجب على المراقبين في وزارة التجارة أن يكافحوا هذا الغش التجاري , وأن يتقوا الله في أموال المسلمين , فهناك من يعجز عن شراء الضروريات بله الكماليات .
والله إن أمانة هؤلاء في رقابكم , وأنتم مسؤولون عنهم أمام الله تعالى حين أضعتمومهم , فجعلتموهم بين فكي الأسد , وقرصي الرحى .
ولهؤلاء التجار أقول :
اتقوا الله في أنفسكم وفيما تأخذون , واعلموا أنه لايحل مال امرىء مسلم إلا بطيب نفس منه , وأن التاجر إذا بين وصدق بورك له في بيعه , وإن غشَّ وكتم محقت بركة بيعه , وكل جسد نبت من سحت فالنار أولى به , والمفلس من يأتي يوم القيامة بأعمال كالجبال ويأتي وقد سرق هذا واعتدى على مال هذا .
إن أموال الناس حرام كما هي أعراضهم والدماء , ومن أخذ حق مسلم فقد أخذ قطعة من نار .
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه , والباطل باطلا وارزقنا اجتنابه , ولاتجعله ملتبسا علينا فنضل .
اللهم أصلح أحوال المسلمين وردهم إليك ردا جميلا
اللهم أصلح الراعي والرعية
هذا والله أعلى وأعلم , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
وكتبه
سليمان بن أحمد بن عبدالعزيز الدويش