لماذا ارتفاع الأسعار غير المبرَّر؟!

د. سعود بن حمود السهلي


ظاهرة ارتفاع الأسعار، تحدث في العالم بأسره، وغير مقتصرة على المملكة‏..‏؛ ولكن أين الجهود المبذولة للحدّ من أضرارها على البسطاء وذوي الدخول المحدودة؛ وما الطريقة المثلى والسريعة لضمان عدم استغلال ارتفاعها مرة أخرى، بعدما ذاق المواطن الأمرّين بموجة غلاء متصاعد‏,‏ شملت جميع السلع الغذائية بلا استثناء‏,‏ المستوردة من الخارج بالكامل أو التي يعتمد تصنيعها المحلي على جزء من مكونات مستوردة‏,‏ أو تلك التي لا يدخل في إنتاجها أي مكون أجنبي ..‏ ترتفع كل أسعار السلع بلا تمييز بنسب متضاعفة!

نعم؛ قد يؤثّر ارتفاع أسعار المواد الأساسية المتعلقة بالبناء وخدمات النقل، ويكفيان لكي تشمل الزيادة جميع أنواع السلع بلا ضابط ولا رابط بزعم ارتفاع الأسعار العالمية وتحرير التجارة‏,‏ وتأثيرات العولمة التي وحّدت أسواق العالم وأسقطت كل الجدران والحواجز والحدود؛ لتصبح هناك سوق واحدة تحكمها المنافسة ومعايير الجودة والإتقان التي كان يمكن أن تكفل عدالة الأسعار واستقرار الأسواق دون حاجة إلى اللجوء إلى التسعير أو استخدام أجهزة الرقابة لضبط الأسواق‏,‏ لولا قلة صبر السعوديين‏!

ولكن تجاربنا في الأسواق، تشير إلى عكس ذلك؛ لأن الأسعار في المملكة، تتجه دائمًا إلى الصعود دائمًا بصرف النظر عن أسعارها العالمية التي لا يؤثّر انخفاضها ـ عندما تنخفض ـ على أسواقنا المحلية! وأن الغلاء المتزايد في كثير من السلع التامة الصنع محليا لا يتناسب بالمرة مع الزيادات التي طرأت على مكوناتها‏,‏ وأن الاحتجاج بالأسعار كذبة كبرى؛ لأن أجور العمالة في المملكة لم تصل إلى مستوياتها العالمية‏,‏ وتكاليف الإنتاج، تصعب مقارنتها بأسعار تكاليف الإنتاج في السوق العالمية‏,‏ كما أن خدمات الرعاية للعاملين لم تصل بعد إلى مستوياتها في الدول الصناعية الكبرى‏..‏!

وربما يكون العكس هو الصحيح‏,‏ لأن المنتجين السعوديين، الذين يسعون إلى رفع الأسعار إلى مستوياتها العالمية بسبب السوق العالمية الواحدة، ما زالت الدولة تفرض تعريفة منخفضة للطاقة، للنهوض بقطاعهم لأداء دور أكبر في تنمية الاقتصاد المحلي. سيستمر هذا الدعم.

فالثابت أنّ جزءًا كبيرًا من تضّخم أسعار الأغذية في المملكة ناجم عن عوامل محلية ولا يقتصر على تكاليف الاستيراد، في ظل حيازة المملكة نظاما حرّا لاستيراد الأغذية، يسمح لعدد كبير من الشركات المحلية بالعمل في هذا المجال، وعلى الرغم من ذلك تفتقر السوق المحلية للأغذية إلى المنافسة الحقيقية.

ولعل الحقيقة الوحيدة في السوق السعودية، والبارزة حتى الآن، هي أن أنظمة السوق، ما زالت معطلة‏,‏ وأن ما يُسمّى بتوازن العرض مع الطلب يكاد يكون في أحيان كثيرة، محض خيال، لا وجود له في سوق تخضع لاحتكار قلة من التجار تحقق لنفسها هوامش ربح خيالية وتصنع أرباحًا بالملايين في ضربة واحدة‏,‏ وتشكل تكتلات مُحكَمة، تستطيع فرض الأسعار التي تريدها على المستهلكين‏,‏ كما هو الحال الآن في الأسواق الغذائية..!

ولا أدري كيف يعيش هؤلاء سعداء وهم يرون أن رفاهيتهم، قامت على فقر غيرهم‏,‏ وأن سعادتهم بنيت على شقاء الآخرين؟! فمن يفعل ذلك لا يمكن أن يكون لديه انتماء لمجتمعه‏,‏ بل إنه يعبد المال ويتشبث بفرديته وأنانيته.

إن الادعاء بأن جشع التجار وضعف قوانين حماية المستهلك‏,‏ وسيطرة الاحتكارات على عدد من السلع المحلية والمستوردة في ظل قانون للاحتكار، لا يخيف ولا يردع هو من صنع إعلام، لا يدقق الأخبار ولا يتحرّى حقيقة الأسباب‏ كاملةً! ‏ وإلا لماذا إذا ارتفعت أسعار المواد الخام العالمية تنتشر الأخبار والتقارير، وحينما تنخفض لا نسمع صوتًا ولا همسًا؟!
إن رهاننا الآن على قدرة المجتمع المدني بمؤسّساته الحيوية، أصبح حتميًا؛ لتوازن الأدوار والمصالح، لوضع الحدود والسقوف التي تحول دون أن يصبح أمر ارتفاع الأسعار خبط عشواء وكيفما اتفق!

والأمل معقود على مؤسسات المجتمع المدني المتمثلة في جمعيات طوعية أهلية تحمي المستهلك وتحارب الاحتكار لا تسيطر جمعيات أهلية، مستقلة تملك أجهزة قانونية قوية وخبراء في الحساب الحقيقي لتكاليف السلع وقياس جودتها، يمكنها رفع الدعاوى القضائية ضد جشع التجار نيابة عن المستهلك، وتساعد على التوصيف الدقيق لجرائم الإغراق والاحتكار‏,‏ وتستطيع بتحركاتها المستقلة، تقديم من تثبت عليهم تهمة الاحتكار للقضاء، مهما تكن سطوته في المجتمع أو حجم ثرائه ونفوذه!

http://www.aleqt.com/2010/10/20/article_458333.html