.. خلـِّيها تلمع

نجيب الزامل
.. التجارُ لديهم أصْلٌ من أهم الأصول، العريقون الناجحون المستمرون منهم هم الذين يصونونه ويحافظونه كأهم وأثمن الأصول على الإطلاق. أصلٌ لا يظهر في الميزانياتِ، ولا يُحسَبُ أرقاما في ميزان الموارد والنفقات.. إنه أصلٌ خفيّ، وفي ذات الوقتِ الأصلُ الأكثر و"الألمع" ظهورا، هذا الأصل اسمه: السُمعة.
إن السمعة تعني شيئاً أكبر من المال، لأنها مجلبة المال.. تدخل بسمعتك الوثوقة كتاجر من التجار وتـُعطـَى بضاعةً بقيم كبيرة بلا ضامنٍ ولا ضمان إلا سمعتك، كما أن الناس يتهافتون للتعامل معك آحادا وجماعاتٍ لما يكون اسمُكَ صقيلاً كالذهبِ يخطف الأنظار لمّا تصبّ عليه إشعاعاتُ الشمس. ولكن هناك بعضا من التجار يذبحون هذه السمعة نحراً، فلا يتأثرون هم فقط، بل باقي الرائعين من التجار الذين يساعدون على نماءِ هذا البلد ورفع، ليس فقط حضارته المادية ومرافقه العملية، بل حتى صفته الإنسانية في أعمال التطوع والخير والعطاء والمبادرة.
وللسمعةِ فيروساتٌ قاتلة، والفيروسُ في عرف الأطباء من أشرس أعداءِ الإنسان، وإصابته قاسية، ومقاومته هائلة، وأضراره كبيرة، وتطوره المُعطِب للصحة سريع ومتلون.. ومن الفيروسات التي تُصاب بها سمعةُ التاجر هي الاحتكار، أو السعيُ للاحتكار..
والاحتكارُ لا يضر فقط الناسَ في معاشِهم، وفي نوعية الخدمات أو الصناعات التي تقدم لهم، بل في المدى البعيد، وأحياناً القصير، تكون كالنار التي تأكل من أشعلها، فتقضي على العمل وصاحب العمل. ولعلي أعطيك مثلاً بعيدا عن التجارة: تصور لو لم يكن في البلاد إلا فريقُ كرة قدمٍ واحد، فهل تعتقد أن أحداً من النظـّارة سيذهب ليشاهد فريقاً يلعب مع نفسِه؟ ثم هل تعتقد أن هذا الفريقَ الوحيد ستزداد مع الزمن مهاراتُ لاعبيه، أم أنهم سيفقدون عناصرَ هذه المهارة لتبلد الشحوم فوق رئاتهم وقلوبهم فيصبحون يجرون الأقدام كالأثقال جرّا؟ هذا الفريقُ وُلِدَ وهو يحمل كفنـَه معه.
والاحتكارُ الذي يسعى إليه أصحابُ النفوس الملتاعة لشهوةِ الربح المضاعفِ سيلتف على المُحتكر كما يلتف حبلٌ على العنق ثم يزداد ضغطاً على قصَبةِ الهواء، إنه كمن ينمي أفعى سامة ثم تلدغه في مقتل. إن إنماءَ الاحتكار لعبٌ مع أسدٍ في قفص قد يهجم على مدربه ويفترسه أشلاء. في الأزمة القريبةِ أكثر من دفع الثمن رهيبا من ثرواتهم وصحتهم وأمن نفوسهم هم المحتكرون الذين كدّسوا البضائعَ في المخازن أملا في أن تتصاعد الأرباح، ومنعتهم همازات الجشعُ من البيع والسعر يصعد كل يوم، وكأنهم يريدون أن تبلغ الأسعارُ قبة السماء، وقد أعماهم الطمعُ من فهم آليةٍ طبيعية للسائل الفائر بأنه يرتفع بسرعةٍ شاهقة ثم يهوي بسرعةٍ أكبر.
ولي أيضا رجاءٌ آخر للناس الذين يهمهم في النهاية العدل وتماسك المجتمع بعمومِه لتتصالح العناصرُ داخله ويعم التوافقُ والعدل. إني كثير الأمل بأن تزولَ صفةٌ عامة صارت تـُخلع على التجار تضفي عليهم ملامح "شايلوك" المرابي اليهودي في مسرحية شكسبير الشهيرة، الذي أراد أن يستوفي ديْنـَه من مدينِه بقطعٍ من لحمه. هذا التوصيف العامُ لا يجوز في الضمير ولا في العقل ولا في ما سنـَّه اللهُ من شرائع لإحقاق العدل. هناك من يعتقد أن كل تاجر منعَّم وحرٌ، وأقول هنا إن أكثر أصحاب الأعمال هم من أشقى الناس ومن أسعدهم معا، لا شيء عادة في المنتصف. صاحبُ العمل يصحو صباحا لا يعلم إن كان ذاك اليومُ سعيداً يزخر بالربح الوفير، أم يوم بؤسٍ ينذر بالمصير الخطير. ولا ضمانة للتاجر لما يسقط، أو يخسر، أو يتعرض لصفقاتٍ تودي به إلى الإفلاس، إن التاجرَ هو أكثر من يتعامل مع تقلبات الظروف، ويدرك أن الدنيا صعود ونزول، وأنه حين يسقط لا شبكة من تحته تحميه من ارتطام يهز كيان أعماله. لذا في رأيي إن معظم التجار بالطبيعة التلقائية سيلتفتون للناس ويكسبون ودَّهم فلن يكون شبكة النجاة لهم إلا هؤلاء الآلاف الذين قدموا لهم التيسيرَ في الأسعار، والتسهيل في الخدمات، والصدقَ في الوعود، وإن قيمة التاجر ليس فيما يجني ولكن في ما يزرع ويُعطي.
على التاجر، خصوصا القادمين للأعمال، أو الداخلين جددا لأعمال أهاليهم، أن يعلموا أنك قد ترى نفسك في الأعالي تنظر للسهول الممتدة أميالا من تحتك، والهواءُ العليل يملأ حواسك والسماءُ والجبَل.. ولكن لو زلـَّتْ قدمُك فقط سنتيمترات فالهاوية السحيقة في الانتظار.
إن التاجرَ، حفاظا على سمعته كيلا تصدأ، لا يلجأ للاحتكار أو رفع الأسعار عن قيمها الحقيقية، لأن من يفعل ستكون سمعته هي سمعة من تمتد يده إلى جيوب الناس فيسرقهم رزقَ حياتهم.. التاجرُ الحصيف لا يعمل ذلك، التاجر المؤمن لا يعمل ذلك، التاجر العاقل لا يعمل ذلك..
إذن فالتاجرُ الحقيقيُّ هو الذي يحرص أن تكون سمعتُه دائمة اللـّمعان

المصدر

إن التاجرَ، حفاظا على سمعته كيلا تصدأ، لا يلجأ للاحتكار أو رفع الأسعار عن قيمها الحقيقية، لأن من يفعل ستكون سمعته هي سمعة من تمتد يده إلى جيوب الناس فيسرقهم رزقَ حياتهم.. التاجرُ الحصيف لا يعمل ذلك، التاجر المؤمن لا يعمل ذلك، التاجر العاقل لا يعمل ذلك..

مشكورة جمرة ، ولن ينفع التلميع لسيارات من هذا ديدنه لأنها صدأت

اشكرك عميدتنا على الموضوع الجميل

================

‏عن ‏ ‏جابر بن عبد الله ‏ ‏رضي الله عنهما ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى ‏

^^
كاتب مميز
اسال الله ان ينفع به البلاد والعباد
وان يسخره للخير وصلاح الامة

مشكورة جمرة غضا عالنقل المميز

يعطيك العافيه اختي جمرة غضا ..
دوماً مبدعه .

هلا بكم وتشكرون على مروركم