للتعفف معنى نبيل، وتصنفه المجتمعات ضمن الطباع الحسنة. لكن في حي الفيصلية فإن التعفف يعني الموت! هكذا تجري الأمور ببساطة. إن لم تسأل الناس فستموت.
ليست هناك "عصابات" تسول في الفيصلية، ولكن هناك متسولين لا خيار أمامهم سواه، فهم لا يتسولون من أجل تغيير ستائر المنزل، أو لسداد فاتورة جوال من الجيل الثالث, بل يتسولون ليأكلوا، أي أنهم يتسولون للحياة.. أو أنهم يتسولون الحياة ذاتها.
تخبرنا (أم إبراهيم) وهي سيدة مهتمة بالأعمال الخيرية، عن قصة سيدة أرملة من ساكنات الفيصلية لديها ابنة وحيدة طالبة، ومستوى المعيشة لدى هذه الأسرة المقطوعة، ليس مصنفاً ضمن خطوط الفقر، بل هو أسفل بكثير من أدنى خطٍ للفقر.
تقول (أم إبراهيم): إن هذه الأم وابنتها تبيتان أياماً بلياليها دون طعام. حتى كسرة خبز جافة لا وجود لها في المسكن العاري من كل شيء. إن الأم الأرملة المستأمنة على حياة طفلتها لن تبحث عن الطباع النبيلة، فيما ابنتها قاب قوسين من الهلاك. لذا فهي تخرج وتسأل الناس وتشحذهم أن يمدوها بما يستطيعون.
التقينا هذه الأم التي كانت حالتها أسوأ بكثير مما وصفت أم إبراهيم. ولم تخف نقمتها على المجتمع، وقالت إنها ساخطة عليه بالكامل، وهي لا تذكر أنه قدم لها شيئاً على الإطلاق. إنها في الحقيقة لا تشعر أنها تعيش في مجتمع.
وصفت لنا حياتها بكثير من الدموع والأسى فقالت: "أتحمل كل ما يعترضني من ظروف في سبيل أن أوفر لابنتي لقمة العيش ورغم معاناتي مع مرض الصرع وبعض الأمراض المزمنة، وكذلك ابنتي أيضاً التي وصل بها الخوف الشديد أن تمشي وتلتفت حولها بكثرة لعدم إحساسها بلحظة أمان وحماية حتى في منزلها، وتعتبر نفسها منقطعة عن الناس فضلاً عن رفض المجتمع لها".
سألتها عن الضمان الاجتماعي فقالت: "هذا الاسم يصيبني بالغثيان لكثرة التعقيدات لديهم وهم لم يتخذوا معي أي موقف، وكذلك جمعية إنسان التي قالت إن أية حالة تحتاج بحث فقلت لهم إنني وعائلتي لا نحتمل بحثكم هذا لأن هناك أطفالاً يموتون ولم نجد لديهم الرغبة في المساعدة"، وأوضحت أن المعونات تأتي ببطء شديد وكأنهم مترفون لا يحتاجونها، وفي الوقت الفاصل الممتد بين طلب المعونة وإجراءاتها وبين وصول المعونة فعلياً تقضيه هذه الأم بالتسوّل وشحذ إنسانية الناس بالشحاذة.
وتضيف: "بعد ذلك ذهبت لجمعية البر ووجدت تعاوناً ولكن قضية البحث وقفت عائقاً مرة أخرى وتحتاج وقتاً طويلاً"، واعترفت الأم أنها لجأت للكذب والادعاءات الباطلة مثل علاج النساء، علها تجد ما يمكن أن يقيم حياتها، لكنها تعود في كل مرة إلى التسوّل من الساعة 12 ظهراً حتى منتصف الليل وهذا هو الحل الوحيد بالنسبة لها، فقد فقدت ثقتها بكل شيء. ولكن هل فقد المجتمع ثقته بنفسه؟ وبمؤسساته الخيرية؟.