ناصر الحجيلان
نمرّ هذه الفترة بمرحلة انتقالية مهمة في حياتنا، وهي مرحلة مابعد الرز (الأرز) لأن الدلائل والمؤشرات والاستطلاعات تؤكد يوماً بعد يوم أن السعوديين سيتركون وجبتهم المفضلة "الكبسة" قريباً بسبب الارتفاع الجنوني في أسعار الرز التي عصفت بالسوق منذ فترة قصيرة. ولم تستطع وزارة التجارة أن تفعل شيئاً تجاه هذا الوضع المتدهور سوى تقديم نصائح مفيدة للمواطنين. وهي نصائح تحمل قيمة غذائية وصحية غاية في الدقة والمنفعة مما يعكس الإخلاص والتفاني في حب الوطن وعشق المواطنين.
ويمكن عرض بعض تلك النصائح التي يتبرع بها بعض المسؤولين في وزارة التجارة أو تدور على ألسنة الناس هذه الأيام. وأهم نصيحة هي ترك الرز والإقلاع عن التهامه نهائياً لأسباب علمية ومنطقية يمكن توضيحها على النحو التالي: السبب الأهم يتمثل في احتواء مادة الأرز على مواد ذات شعيرات حرارية بالعلالي، وفيها نشويات أو نسويات وكلام كثير.
باختصار هذه الكمية تزيد على حاجة الجسم السعودي المترهل أصلا بالشحوم واللحوم والخيرات؛ ولهذا فإنها ستجلب الضرر لا محالة، وأقل ضرر سيفتك في جسم آكل الأرز هو الإصابة بداء السكري وضغط الدم وانفلات الأعصاب، وتسكير الشرايين نهائياً، وكذلك يسبب العمى والحصبة والشلل؛ والقائمة تطول لو أراد المتخصصون الماهرون في وزارة التجارة أن يسردوا علينا سلسلة الآفات التي يجلبها لنا تناول الأرز. لهذا فإنه حري بالمواطن أن يأخذها من قاصرها ويمتنع عن تناول أكلته المفضلة درءاً للمخاطر والعلل التي تنتظره فيما لو استمر في أكل الأرز. وليس له حجة في سلامة صحته في السابق لأن الوضع تغير ياحبيبي؛ فالأرز كان يخبىء أسلحته ويترصد لنا من سنين وحانت اليوم ضربته القاضية، فالحذر من هذه المصيدة التي يخبئها لنا شجر الأرُز.
وعند الضرورة القصوى فإن الوزارة الموقرة يمكن أن تُسدي نصيحة ذهبية أخرى لمدمني الأرز ممن لا يستطيعون الإقلاع عنه فجأة وظروفهم المادية لا تسمح لهم بشرائه بسعره الخيالي. ففي هذه الحال يمكنهم البحث عن نوع رخيص لايحتوي على أي مادة غذائية لكي يسدّ الفراغ في الكروش تمهيداً للتخفيف من الوزن للحصول على رشاقة جيدة للجسم السعودي. ومعلوم بالضرورة وبالتجربة مقدار الفائدة التي تعود على الفرد عند التخلص من الوزن الزائد ورمي الشحوم واللحوم والإبقاء على العظام، فمن منافعها العديدة تخفيف العبء على الأرض التي تكاد تخسف بنا بسبب مدرعات الشحوم التي تمشي عليها. ولهذا فإن تخفيف الوزن يتضمن تقديم خدمة ثمينة للسيدة الكرة الأرضية. يضاف إلى ذلك أن النحافة تربط الناس بتراثهم القديم الذي كاد يندثر بسبب السمنة بأن يكونوا على تلك الهيئة الرشيقة النحيفة التي كان عليها الأجداد في الزمن الغابر.
وإذا كان الانصراف عن أكل الرز يعيدنا إلى تراث الأجداد من حيث تمتعنا بأجساد نحيلة قابلة للسحق، فإن هناك هدفاً حضارياً آخر يُبرز أهمية ترك الأرز، وهو أن يتخلص السعوديون من بعض العادات السلوكية المرتبطة بأكل الأرز. فقد لوحظ أن أغلب السعوديين يلتهمون الأرز بأيديهم؛ ولا يستخدمون الملاعق والشوك التي تدل على التحضر والمودرن. ومُدرَك بالتجربة والبرهان أن العادة السلوكية لاتزول بسهولة؛ لهذا فلابد من تخليص الناس من بعض عاداتهم من دون أن يشعروا بذلك. وترك الرز هو أفضل وسيلة لتحقيق هذه الغاية ذلك أن أصابع اليد ستواجه الأمر الواقع وتنسى كيف كانت تمارس مهمتها في تجميع الرز واستلامه ثم الدفع به نحو فوهة الفم، وبهذا تكون تلك الوظيفة التي تقوم بها اليد قد تعطلت. وعليه، فإنه سيتحقق هدف نقل المواطنين نقلة حضارية مدهشة حينما يبدأون باستخدام الملاعق والشوك لأكل أي شيء يقع تحت أيديهم بما في ذلك التمر والخبز. ومن الأسباب الأخرى التي قد يغفل عنها بعض مدمني الأرز وجود أهداف اقتصادية مجدية حالما نقلع عن الأرز، وهي أهداف تتعلق بتشجيع المنتجات المحلية كالتمر مثلا، وليس لمن لايحب التمر عذر بعد اليوم، فمنافع التمر كثيرة كمان وكمان وهي لا تعد ولا تحصى ولله الحمد. والخبز والبسكويت والماء، ماشاء الله تبارك الله، كلها متوفرة الآن ومنافعها من الكثرة بحيث يصعب عدّها ولا يمكن الإلمام بطرف منها، وليس هناك ضرر منها على الأقل في الوقت الحالي. ولكن يجب الحذر فلو قلّ القمح أو شحّ الطحين مثلا فإن أضرار الأرز ستنطبق تماماً على الخبز أو على أي مادة غذائية يرتفع سعرها أو تقل في السوق. وهذا يدل على أن العالم يتطور ويتغير والعلم كذلك يتطور ويتغير ويكتشف كل يوم اكتشافات مذهلة مخبأة عند وزارة التجارة الموقرة؛ ولا تبرزها هذه الوزارة للجمهور إلا عند الحاجة فقط. فبارك الله في خطاهم ونفع بحرصهم على سلامة بطون المواطنين وجيوبهم.

up