لصوص مؤدبون
فوجئت قبل أربعة أيام بأن فاتورة إقامتي في أحد فنادق جدة اشتملت على مكالمات دولية ومحلية لم أقم بها. عندما أشعرت موظف الاستقبال بعدم قيامي بتلك المكالمات مسحها، وأعطاني جديدة دون أن يلتفت نحوي أو يعتذر.
قبل أسبوع تقريبا، وفي الدمام على وجه التحديد، أعطيت العامل في محطة الوقود ورقة نقدية من فئة 200 ريال، وعندما أعاد لي الفرق، حاسبني كأنني أعطيته 100 ريال، وحينما أخبرته أنني أعطيته مئتين وليس مئة، مدّ لي مئة بسرعة هائلة، دون أن يرسم على وجهه أي ملامح.
في ذات اليوم، تعشيت أنا وزميلي في مطعم بالخبر، دفعت الحساب عن طريق البطاقة الائتمانية (الفيزا)، وعندما حصلت على كشف البطاقة بعد أسابيع، فوجئت بأن المطعم سحب من بطاقتي نفس المبلغ مرتين. وحين ذهبت إلى المطعم شاكيا، طلب مني المحاسب البطاقة ليودع المبلغ الإضافي المسحوب، دون أن يتأسف أو يخجل.
عندما نقلت لأحد زملائي ما حدث لي في جدة والدمام والخبر خلال أسبوع، أوجعني بقصة تعرض لها في الرياض قبل شهور قليلة، أثناء عمله في إحدى المناسبات الاقتصادية، مدققا ماليا على فواتير الفنادق. فقد أشار إلى أن هناك عددا من الفنادق قدمت فواتير مغلوطة، حيث احتوت الفواتير على أجور مرطبات ومياه معدنية ومكالمات على غرف لم تسكن. كما قدمت بعض الفنادق للجنة المنظمة فواتير وجبات عشاء لم تر النور. وبعد أن تم إخطار الفنادق بذلك، بعثوا فواتير جديدة ولاذوا بالصمت.
عدم تبرير تلك السلوكيات، يعكس حقيقة لا جدال حولها، وهي أننا نعيش بين لصوص كثيرين، يتربصون بنا ريب المنون، يسرقوننا بدبلوماسية وأدب. عندما ننتبه لهم مبكرا، سيعيدون لنا ما أخذوا على طريقة (لا من شاف ولا من دري)، وإذا لم ننتبه فجبر الله مصابنا، وعوضنا خيراً.
كل واحد منا لديه قصة مشابهة، لا تقل فظاعة وفظاظة عما ذكرت أعلاه، توضح أننا نعيش في بيئة غلب عليها التآمر، والتحايل، والكذب. بيئة تكاثر فيها لصوص جدد، لا يختبئون على السطوح وفي الاستراحات البعيدة، بل يتوافرون بيننا، يرتدون أجمل الثياب وأزكاها، ويضعون كريمات على رؤوسهم.
صمتنا إزاء هذه الفئة سيجعلها تستفحل وتتفاقم حولنا. سيجعلنا محاصرين بفواتير ندقق فيها ونراجعها دون نهاية، سيدعنا نقف في طوابير طويلة ومملة أمام موظفي الاستقبال في الفنادق والمطاعم لنسجل احتجاجنا واعتراضنا واستنكارنا.
كيف نأمل أن نستقطب سياح العالم، وهناك من ينهبنا في وضح النهار؟ هناك من يأمل أن نتحول إلى أوراق نقدية ليضعنا في جيبه أو درجه. هناك من يؤجر ذات الغرفة لشخصين بسعرين مختلفين.
كيف نطالب النشء بأن يصبح خاليا من الكذب، وكل من حوله حافل بالخداع والمكر؟ الثقة تحولت إلى سذاجة، والصدق أصبح عملة نادرة.
عندما زرت لندن مطلع الشهر الحالي في مهمة عمل قصيرة، لحقني سائق سيارة الأجرة إلى بهو الفندق، حاملا معه بقية المبلغ الذي أعطيته، رغم أنه لا يعادل قيمة قارورة مياه.
أدهشني هذا السلوك الحضاري الذي قام به سائق الأجرة اللندني، والذي جعلني أمني النفس أن يطغى هذا التصرف الحميد على سلوكيات كل مقيم ومواطن على أرض وطني.
أعلم أن بيننا العديد من الأخيار، لكن للأسف بيننا الكثير ممن لا هدف لهم سوى النصب والاحتيال.
التعاطي بحزم وشفافية تجاه هذه السلوكيات هو الذي سيحولها إلى ذكريات. وسيجعل (اللصوص المؤدبين) ظاهرة سادت ثم بادت.
http://www.alwatan.com.sa/news/write...=4515&Rname=91