نشر أسماء الجهات الحكومية التي لم تتجاوب مع «التعليمات» خلال شهر.. ومحاسبة المسؤول
قرار «مكافحة الفساد» التشهير بالمخالفين.. «خلاص ما ينفع إلاّ الشدة»!
الرياض، تحقيق- هشام الكثيري
مقولة "الشق أكبر من الرقعة" حملت معها على مدى عقود "ثقافة الإحباط"، والعجز.. ومشكلة لا يمكن تداركها بمسكِّن يجتث المعضلة من جذورها، بيد أن هذا المثل البائس لا يتعذّر به سوى العاجز، وفاقد الحيلة، فليس هناك ما لا يمكن علاجه، وإن لزم الأمر تغييره؛ فالنظرة التفاؤلية تقول "إن لم يوافق الواقع النظرية، غيِّر الواقع" وهذا ما تسعى إليه "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" في انطلاقة مسيرتها نحو تشديد الخناق على الفساد وحصره في أضيق نطاق، معززة مفهوم الشفافية، وحماية النزاهة، والتصدي لكل من لم يكن مؤهلاً لحمل الأمانة الموكلة إليه، ومن لم يمتلئ فؤاده بحب الوطن، والغيرة عليه، والحرص على رفعته.
خطوات متتابعة
لم تمض سوى شهور قلائل على تأسيس "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" إلاّ وقد بدأت تضع أياديها على مواضع الخلل والقُصور، وكانت أول الخطوات هي مدّ يد التواصل مع المواطنين إيماناً منها أن المواطن هو "الرقيب الأول"، إذ نشرت كيفية التواصل معها عبر وسائل الإعلام، بحيث يكون هناك تتبع على أوسع نطاق لمدى سير العمل الحكومي وحجم الفساد سواءً إدارياً أو مالياً.
وجاءت الخطوة الفعلية أن طلبت الهيئة من جميع الجهات الحكومية والمؤسسات والشركات المساهمة العامة التي تشترك الدولة في ملكيتها, بوضع لوحات في مواقع المشروعات بمقاسات حددتها الهيئة, توضح معلومات عن المشروع، مثل: اسم المشروع, واسم المقاول المتعاقد معه, وتاريخ توقيع العقد وقيمته, وتاريخ تسليم الموقع للمقاول الذي يوافق تاريخ بداية العقد, وتاريخ انتهائه ومدة التمديد إن وجد, وتاريخ انتهاء التمديد, واسم الاستشاري المشرف، وتاريخ توقيع العقد معه وقيمته؛ لكي تباشر الهيئة اختصاصاتها في التحري عن أوجه الفساد المالي والإداري في المشروعات, المتعلقة بالشأن العام ومصالح المواطنين وفقا لما ينص عليه تنظيم الهيئة.
ديوان المراقبة العامة كشف عن تفاصيل «المبنى الجديد» على الملأ وفتح «باب التغيير للأفضل»
وعلى االرغم من أن المادة الخامسة من نظام المادة الخامسة من نظام الهيئة حددت مدة ثلاثين يوماً للرد على ملاحظاتها واستفساراتها، إلاّ أن كثيراً من الجهات الحكومية لم تنفذ ما طلبته مما يعد مخالفة نظامية طبقاً لما قاله رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد الأستاذ "محمد بن عبدالله الشريف" في تصريحات صحفية بثتها "واس" الأربعاء الماضي، مبيناً أن الهيئة ستنشر لاحقاً أسماء الجهات الحكومية التي لم تتجاوب, وسوف تطلب إحالة المسؤول عن التأخير فيها إلى المساءلة لدى جهة التحقيق المختصة.
وجاء عدم تجاوب بعض الجهات الحكومية مع استفسارات وملاحظات الهيئة بالرغم من المدة الكافية للرد عليها، أمراً محبطاً للمجتمع قبل الهيئة، فعدم تجاوب الجهات الحكومية بحد ذاته هو "قصور" و"إهمال" كيف لا؟.. و"الهيئة" ترتبط ارتباطاً مباشراً بخادم الحرمين الشريفين كما جاء في الأمر الملكي إبان تأسيسها، والمرجو من الهيئة أن تشهر بأسماء المقصرين، وعدم الاستهانة بلامبالاتهم، فالحزم ينبغي أن يكون حاضراً من الهيئة التي ينبغي أن تكون سلطتها أقوى من سلطة الجهات الحكومية الأخرى، لقيامها بدور "الرقيب" عليهم.
تعزيز المواطنة
مثّلت مشاركة المواطن في مكافحة الفساد دوراً مهماً في تعزيز مفهوم المواطنة لدى المجتمع، وأهمية شراكة المواطنين في مراقبة المشاريع التي تنشأ من أجلهم، وليتمكنوا من إبلاغ الهيئة بملاحظاتهم حول التقصير في ذلك، ويتجسد في تلك الخطوة أهمية كبيرة تنبع من مقدار الشفافية التي ترتكز عليها الهيئة في عملها، كما أن وضع اللوحات في مواقع المشروعات تبين تفاصيل الشركة المنفذة والاستشاري وقيم العقود، ومدة التنفيذ تبعث ارتياحاً لدى المواطنين يجعلهم يطمئنون على سير العمل ويستطيعون من خلالها معرفة الشركة المنفذة والتي أرسيت عليها المناقصة بعد حالات الإسناد التي كانت بعض الشركات تفعلها بعد ترسى عليها المناقصة تبيعها لشركة أخرى بسعر أقل، لتأخذ ربحاً من الفرق دون أن تعمل شيئاً، سواء بعلم الجهات المالكة أو بدون علمها، الأمر الذي كان يؤدي لتعثّر بعض المشروعات، وربما توقف بعضها بشكل نهائي، فضلاً عن أن معرفة المواطنين باسم الشركة المنفذة، وإعلان ذلك بشكل واضح يجعل الشركة تكون حريصة على سمعتها في سوق العمل وبذلك تكون حريصة على موعد بدء وتسليم المشروع في وقته المحدد.
مراقبة "المراقبة"
تجاوب "ديوان المراقبة العامة" مع مطالب "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد"، الداعية إلى تطبيق الشفافية في تنفيذ المشروعات، إذ وضع لوحة كبيرة بينت تفاصيل مشروع تشييد مبنى الديوان في الرياض، كاشفةً اسم الاستشاري وقيمة عقده، وشركة المقاولات وقيمة عقدها، ومدة تنفيذ العقد تصل إلى 1095 يوماً، وتاريخ توقيع العقد، وتاريخ استلام المقاول للموقع، وأخيراً التاريخ التعاقدي لإنهاء المشروع، وبذلك يتاح لجميع المواطنين بأن يجسدوا دور "الرقيب" في متابعة المشروعات الحكومية ومدى سير تنفيذها والتبليغ عن مواطن القصور والتأخير في الانتهاء منها.
التشهير بالمقصرين
وانطلاقاً مع تلك الشفافية تجاه سير المشروعات، تأتي المطالبات بأن يكون هناك "تشهير" بالجهات التي أخلّت ببنود العقود، ومسألتهم تجاه تقصيرهم، وكشف العقوبات التي ألحقت بهم جراء ذلك، حتى يكون هناك احترام للعقود، وبالتالي تستطيع الشركات الأخرى التي ستنفذ مشروعات مقبلة تعي تماماً مدى أهمية "المصداقية" في التنفيذ ومواعيد التسليم.
الجودة الشاملة
ويتطلع الكثيرون إلى أن تكون النظرة أكثر بعداً من ذلك بالعودة إلى الخطوات الأولى من قبل بدء تنفيذ المشروعات، إلى كيفية إرساء المناقصات، وماهية الشركات التي تُرسّى عليها العقود، ومدى خبراتها، ومؤهلاتها، وجاهزيتها لتنفيذ المشروع، دون أن يكون هناك تراكم مشروعات لدى شركات معينة، والأهم من هذا وذاك، بألاّ تقتصر الرقابة على مدى تنفيذ العقود، وكم النقود، بأن تكون هناك لجان متخصصة ميدانية من الهيئة تراقب جودة المشروعات، ومدى تطابقها، وحسن تنفيذها، فالعبرة بالجودة وليست بالسرعة، وكما يقولون "السلسلة تقاس بأضعف حلقاتها"، ولا نريد أن نزهو بمشروعات تنفذ خلال أوقات قياسية ومذهلة، وحين يأتي "المطر" نكتشف أنها "مهترئة"!.
رؤى وتطلعات
ويتطلع مواطنون أن تكون اللوحات التي تنصب أمام المشروعات "رقمية" خشية أن تتأثر اللوحات الحالية من عوامل التعرية لا سيما وأن بعض المشاريع تمتد فترة تنفيذها لفترة طويلة تتجاوز الثلاث سنوات، كما تفعل بعض الشركات في المشروعات غير الحكومية بوضع شاشات الكترونية رقمية تضع رقماً تنازلياً يبين كم بقي من يوم على انتهاء المشروع.
كما اقترح آخرون وضع حافز للرقيب المتطوع لا يشترط أن يكون مادياً بل على الأقل تقديرياً، ليساهم في توعية المجتمع تجاه أهمية التكاتف يداً بيد نحو القضاء على الفساد بشتى أنواعه، مطالبين الهيئة بمواكبة التقنية كونها من المفترض أن تكون سباقة نحو ذلك، كونها اكتفت بوسائل تواصل محدودة اقتصرت على رقم هاتف الاتصال الموحد، والفاكس والصندوق البريدي، منوهين بأهمية البريد الالكتروني فضلاً عن الموقع على شبكة الانترنت، بحيث يتاح إرسال النصوص والصور بسهولة ويسر.
http://www.alriyadh.com/2011/11/28/article686789.html