حينما يغادر المسؤول خصوصاً (الوزير) كرسي وزارته قبل انتهاء فترة حقيبته، يصبح عرضة للإشاعات والأقاويل ، وأول إشاعة تصيبه في ظهره قبل أن يغادر باب الوزارة، أن هناك خلافاً بينه وبين صانع القرار! وفي اعتقادي أن الوزير هو فارس في ساحة المعركة، أختاره (القائد) بناءاً على كفاءته ومؤهلاته، وأعطى له الثقة وترك له حرية اتخاذ القرار بـ (الكر) و(الفر).
والفارس النبيل ، ربما يدفع حياته ثمناً لنبل (فروسيته) بشجاعته ومثاليته، ولكن حينما يجد أن ساحة العمل العام ليست ساحته يفضل الانسحاب، حتى ولو كان الثمن حياته ! ولو طبقنا التشبيه السابق على مثال وحادثة وشخص، لوجدنا ذلك يتمثل حقيقة في الوزير الدكتور هاشم يماني وزير التجارة والصناعة السابق.
الدكتور هاشم يماني الذي استطاع أن يقهر علوم الرياضيات في جامعة بيركلي ويجتاز الفيزياء من جامعة هارفارد ويوقع دخول المملكة العربية السعودية العضو 149 في منظمة التجارة العالمية، وجمع أصعب وزارتين منذ مايو 2003م وهي التجارة والصناعة التي كانت هماً في النهار وغماً في الليل .
قرر بشرف المسؤولية أن يقدم استقالته إلى خادم الحرمين الشريفين ويطلب إعفاءه من منصبة ليقدم ثقافة قديمة عفي عليها الزمن لعدد من وزراءنا السابقين الكرام، وهي ثقافة (الاستقالة) لا يعرفها سوى فارس كريم سبقه فيها الوزير سليمان السليم ، لا أقولها مجاملة وإنما تأكيداً لك أيها الفارس النبيل أنت لم تهزم، بل قررت الانسحاب من معركة ليست معركتك، وما حدث أنك طلبت أن تترجل في مجتمع لا يعرف سوي القبر أو الإعفاء، لقد ترجل هاشم يماني من جواده الذي طال به السنين منتصراً، يصول ويجول في معارك الشركات والاستثمار والأنظمة وحماية المستهلك، ولا أجد في نفسي غضاضة بان اقتبس من قول الصحابي خالد بن الوليد رضي الله عنه، ( ليس في جسدي شبر إلا وفيه ضربة أو رمية سهم، وها أنا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير .. فلا نامت أعين الجبناء) .
فكم تمنيت أن أشارك بقلمي علي الأقل دفاعاً عن الوزير المتفاني الدكتور هاشم يماني إثناء المعركة الإعلامية مابين الوزارة والمستهلك، ولكن الوزير هاشم يماني خذله رجال الإعمال أكثر من الإعلام الاقتصادي، مع أنه كان يصنف الأكثر (شعبية) بين الصناع والتجار، لذلك تيقنت بان مقالتي له ، سوف تكون كقطرات ندي وسط طوفان من الغضب الشعبي.
هاشم يماني أيها الوزير المتواضع والمؤدب، يشهد لك التاريخ في الشهر السادس من عام 2003م، تصريحاتك التحذيرية والتي أطلقتها من غرفة المدينة المنورة ومن غرفة جدة أمام التجار والصناع، وقلت بان انضمام السعودية إلي منظمة التجارة العالمية يعني مزيدا من الانفتاح، وطلبت من الصناع بتكتل صناعي للحماية المنتجات الوطنية من الإغراق، وكذلك طلبت من التجار الاستعداد لمعركة ارتفاع الأسعار خاصة من المنتجات التي تأتي أوروبا، وذكرت لنا بان هناك معركة تجارية قاسية يجب أن تتضافر فيها الجهود، وتصريحاتك لا زالت في أرشيف وكالة الإنباء السعودية وفي مواقع الجرائد المحلية، والذي توقعته يامعالي الوزير منذ سنوات جاءنا مثل السيل الجارف يأكل الأخضر واليابس، وضاعت تحذيراتك سدي في خضم الهجوم الإعلامي علي حرب الأسعار.
يكفيك يامعالي الوزير انك ساهمت خلال الأعوام الخمسة الماضية بأن تكون الغرف التجارية والصناعية في السعودية، واحدة من أكثر المؤسسات شبه الرسمية تفاعلا مع المجتمع المدني، وبدون مبالغة نجحت في تحويل الغرف التجارية إلى ترمومتر النشاط التجاري والصناعي والاجتماعي في كل مدينة كبرى أو صغرى وأصبحنا في عهدك منطلقا لأي تجمع استثماري، وقدمت للمجتمع السعودي خلال الأعوام الماضية بعض الشباب القياديين واخترتهم أعضاء للغرف التجارية لتكون المرحلة الأولي لصقل أدائهم وكفاءتهم ليكونوا بعد ذلك أعضاء في كثيرا من الهيئات والمجالس واللجان الحكومية ومجلس الشورى.
الوزير هاشم يماني، جعل من الغرف التجارية والصناعية عضوا فعالا في المجتمع تجتمع فيها فعاليات قطاع الأعمال وجعل العلاقة بين الوزارة والغرف التجارية تمارس نوعا من المرونة في علاقتها لا ترتكز إلى الشكليات والبروتوكولات واستقبال الوفود بل انتقلت إلى عمق العمل الاقتصادي، واستطاعت بذكاء استثمار تطور الغرف التجارية بجعلها مكانا قياديا ليس فقط في تنسيق العلاقة مع القطاع الخاص بل أيضا إلى تركت لها مساحة بان تتولى الترخيص لبعض الأنشطة التي تكون الغرف قريبة منها ولصيقة وأدرى بحالها, بدلا من أن يترك الأمر لاجتهاد موظف حكومي قد لا يتعامل معه إلا من خلال الأوراق والتوقيعات والأختام.
يكفيك يامعالي الوزير انك ساهمت في مستقبل النشاط الاقتصادي للسعودية من خلال مؤسسات اقتصادية ذات البنية القوية التي توفرها الشركات المساهمة والتي تعتبر حاليا إحدى تدفقات الاستثمارات الجديدة في الاقتصاد السعودي، وساهمت في معالجة قضية الشركات العائلية والتي تعثرت سابقاً عشرات الكيانات بالتفتت جراء الخلافات التي قد تنشأ إما بسبب وفاة المؤسسين أو بسبب خلاف بين الجيل الثاني من أفرادها، وقالت بان وزارة التجارة والصناعة لن تسمح بانهيار تلك الكيانات ، لأنها لا تتوقف أثارها بفقدان عمود في منزل قائم , بل الأمر يلحق أيضا بفقدان فرص وظيفية كانت قائمة يعيل أصحابها مئات من الأسر ، لذلك تحركت وزارة التجارة والصناعة مبكرا ووضعت الضوابط العامة لتحول الشركات العائلية إلى مساهمة من خلال سلسلة من الاجتماعات لإثارة الاهتمام وإتباع سياسة الترغيب والترهيب بين الحين والأخر.
ختاماً ، لم يغادر الوزير هاشم يماني إلا بعد أن اصدر قرار بإنشاء جمعية حماية المستهلك، ليقول لكل من عينهم إنني اترك حقوق المواطن أمانة في اعناقككم، وليكون هذا القرار الواحد بعد الألف من القرارات الشجاعة التي قدمها معالي الوزير بعد أن ترجل من الكرسي الذهبي طوعاً واختياراً!.
http://www.alweeam.com/news/articles...on=show&id=536