لست ممن يحب جلد الذات كثيرا والنظر للحياة من خلال الصورة السوداوية المتفحمة جراء الفشل والفوضى وسوء التدبير وضعف الرقابة والذمة لأن الحياة تحمل أيضا نقيض ذلك يتضمن أفق النجاح وروعة المنجز والحرص البشري على التطوير لكن قدرنا أن نكون أداة نقدية ونافذة تعكس الواقع سعيا لتغييره أو حتى على الأقل الاعتراف بوجوده وهو مالايمكن أن يتجسد بواقعنا بعد أن أدمنا شعار (كله تمام ياأفندم) لنخرج بحسرات متتالية على مناظر وأساليب ومنظومة أداء تجعلنا فعلا في عداد الدول الفاقدة لهويتها التنظيمية والشواهد يمكن أن نراها حتى داخل محل (خباز) حيث يعمل مجهول داخل الفرن دون إقامة نظامية في الوقت الذي ينتظر موظف البلدية ووزارة العمل والجوزات دورهم لاستلام الخبز..!!
لقد أصبح الوضع التنظيمي وأقصد وضع التنظيم الإداري والخدماتي التي تقدمها الوزارات الحكومية للشعب مأسويا للغاية فالكل يتذمر ويحتج ويتظلم ويندب واقعه دون بوادر صدمة حضارية إدارية تعيد الأمور لنصابها الحقيقي وتجسد معنى أن تكون في بلد البترول الأول والذي لاينقصه المال ليحقق رفاهية للشعب مقرونة بأداء تنظيمي لكافة شؤون حياته ..
أصبحت الحوادث والكوارث والحرائق والمصائب هي من توقظ الساكن داخل أجهزة الدولة وتكشف عيوبها الكثيرة ودون ذلك يبدو المشهد فوضويا يقوم على الاتكالية وسوء المراقبة والضرب بأنين المواطن عرض الحائط حيث لايوجد خطط مترابطة فكل مسؤول يخترع ويقلب الأمور بقناعاته ثم يأتي من بعده ليهدم وينطلق من جديد وهكذا ليكون الناتج عملا فوضويا ومخرجات سلبية وفساد ينخر من الوريد إلى الوريد..!!
قلتها ولازلت أكرر أن إخفاء صوت المواطن وعدم إدراجه كعنصر فعَال في العملية التنموية للدولة أعطى المجال واسعا لتكرار أخطاء المسؤولين وفشلهم فلانقابات ولا هيئات حقيقية لها اعتبارات نافذة ولامجالس منتخبة للشعب تجعل من المسؤول يرتجف قبل أن يقدم على خطوة لاتخدم الوطن ..
أعرف أن دولا عانت من ويلات المشاكل بسبب وجود التمثيل الشعبي الرسمي لكنها أي الدول في (ظني) تتعمد وجود ذلك لأسباب وأجندة خاصة تخدمها بدليل أن دولا متحضرة نجحت في جعل صوت الشعب هو نبراس التنمية لديها ولذلك أصبح من المستحيل تقريبا أن يُنتهك حق مواطن أو يسلب حقه القانوني مهما كانت الشخصية التي تقف دون ذلك الحق..
لدينا مظاليم يصرخون ... لدينا موظفين مسحوقين تماما... لدينا بطالة مروعة... لدينا خدمات تنموية متدهورة المستوى ... لدينا نكافيء بمن خدم الوطن طوال عمره بتسجيله بطابور الفقراء والكادحين ... لدينا محسوبيات فاضحة تنتجها العنصرية والرشوة والفلتان الإداري والتزوير ... لدينا وجها مظلما يغطي كل صباح مشرق ..
في بلادي الغالية لافرق أن تكون مجدا بعملك أو حتى تحضر لعملك ورائحة (الكلونيا) تفوح من فمك فالعلاوة واحدة والترقيات أصلا شحيحة ولاتفرق بين المجد وغير المجد - محسوبيات- وكم خسرنا من طاقات بشرية هائلة وذكية ومثمرة بسبب الاحباط ووصول الفاشلين لمراكز لايستحقوها ..
ما نحتاجه هو صدمة حضارية حقيقية أو جلب استعمار عملي غربي بعد أن أصبح الإسلام مجرد تقليد وهوية لاقيمة لأساساته وتعليماته الربانية ولعل مشاهد الغيبة والنميمة والحقد على الناجحين والصراع على كسب سباق الإقصاء الذي نعايشه يوميا هو شرارة تخفي وراءها بركان من التخلف القادم وياليت قومي يعلمون..
في بلادي مشاهد فائقة الروعة ونماذج تأسرك بإبداعها العملي والإنساني لكنها تعيش كالفرد الغريب في بلاد واسعة لذلك لا أهمية ولاوضوح لها ..
احترق حزنا عندما أعرف أن ميزانية وزارة الصحة تفوق ميزانية أكثر من عشرين دولة تقريبا ومع ذلك لاتستطيع أن توفر لي طبيبا يعرف علتي حينما أمرض أو أن لاتساهم تلك المليارات في خلق بيئة عملية سليمة لمستشفى مستأجر يتسبب بفقدان ثلاثة من الممرضين السعوديين وثلاثة مرضى بالرغم من معرفة الجميع لسوء ذلك المستشفى وسوء بناءه..!!
اضحك كثيرا حينما يتباهى محافظ المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني بمشاريعه الضخمة التي تكلف المليارات مع أنها لاتنتج سوى عاطلين مقهورين ..!!
استغرب حينما توقع وزارة الشؤون البلدية والقروية عقود لمشاريع خدمية بمئات الملايين لتنهبها الشركات الكبرى وتبيعها على شركات الباطن التي تقدم للوطن مشاريع تافهة وفاسدة وهكذا كل عام في غياب تام للضمير الوطني الذي أصبح لاقيمة له ..!!
وطن يحتاج إلى أن يلتفت مسؤوليه لواقعه على الأرض بدلا من تقليب تقارير كاذبة لقياديين همهم البقاء أطول فترة ممكنة على الكرسي الوثير .... وطن يحتاج لأن ينظر كثيرا لحال شعبه ومشاكله الأمنية والخدمية فالأمور تسارع نحو السلبية وهو ما يجب الانتباه له جيدا وأخذه على مأخذ الجد..
لقد خدَرنا البترول وثروته عن المنجز الأهم وهو تكوين مجتمع منظم في كل جوانب حياته وأعتقد أن أمامنا فرصة حقيقية الآن لنتخلص من كل سلبياتنا وأن نخلق صدمة حضارية تنموية بشرية لاتتعارض مع قيمنا الإسلامية الخالدة فهل نفعلها ؟؟أنا متفاءل جدا ..
قبل الطبع
جميل أن يموت الإنسان لأجل وطنه وأجمل منه أن يعيش لأجله
سلطان إبراهيم المهوس
burnews@hotmail.com