أكد الدكتور عمر عبد الله كامل الباحث الإسلامي والاقتصادي المعروف، أن نظام الوكالة نظام احتكاري جزئي يتيح للوكيل التحكم في الأسعار، وبين في حوار أجرته معه «عكاظ» أن الاحتكار والتلاعب وراء الغلاء الحاصل في أسعار السلع، لافتا إلى أن طمع التجار يجعل السلع مرتفعة باستمرار دون أن تنخفض، وأكد أن الحرية الاقتصادية في النظام الاقتصادي الإسلامي منضبطة بالقواعد الكلية الإسلامية «لا ضرر ولا ضرار»، وقال: إن الاقتصاد الإسلامي محكوم بفقه المعاملات، وهو وسطي بين تطرفين، يحرم الظلم والجهالة والغرر، مشيرا إلى أن المصارف الإسلامية بدأت في وضع حلول إسلامية لمقتضيات العصر، وفقا لفقه المعاملات، وأوضح أن اقتصاديات الدول الإسلامية تعرضت لأضرار بالغة، بسبب تراجع الدولار، وطالب كامل بفرض الزكاة على الأراضي وعمليات تداول الأسهم.
وألقى كامل في هذا الحوار، الضوء على مفهوم النظام الاقتصادي الإسلامي في الشريعة الإسلامية، ومدى مواكبته لواقع الأمة الإسلامية، في ظل الأزمة المالية العالمية التي نشهدها اليوم، ليضع حدا للشائعات التي راجت حول الاقتصاد الإسلامي، ومقارنته مع غيره من اقتصاديات العالم، كالرأسمالية والشيوعية، وليزيل الكثير من الشبهات التي تدور حول المصارف الإسلامية، في عدم قيامها بالدور المناط بها، واقتصاره على بعض الأمور المشرعة، لافتا إلى بعض الإجراءات التي من الممكن أن تتخذها الإدارة الأمريكية الجديدة، لتحرير أسواقها من الضائقة المالية التي تشهدها، وانعكاس ذلك على بقية الأسواق العالمية، بما في ذلك السوق السعودية، والدور الذي لعبه طمع التجار في زيادة الغلاء، الذي بات شبحا مخيفا يؤرق المستهلك، والإجراءات التي من الممكن أن تضع حدا لطمع التجار، وما اتخذته المملكة من إجراءات لتخفيف عبء هذا الغلاء.. فإلى هذا الحوار:
* ما المقصود بالنظام الاقتصادي الإسلامي في الشريعة الإسلامية؟
- بادئ ذي بدء، يجب أن نعرف أن الاقتصاد علم قائم بذاته، وقد كان ينمو من قديم الزمان، وله نظريات مختلفة، والذي يجعل الاقتصاد الإسلامي مختلفا، هو أنه محكوم بفقه المعاملات، وهو قسمان: جزئي وكلي، فالجزئي يخص الفرد، والكلي يخص الدولة.
استيراد الحلول
* وهل هو مطبق بالفعل؟
- لا يوجد تطبيق كامل للاقتصاد الإسلامي في العالم، وإن طبق في الاقتصاد الجزئي لدى بعض البنوك الإسلامية والأفراد، وما نراه في بعض الدول الإسلامية، هو أشبه بمحاولات بدائية لتطبيق فقه المعاملات في مفهومه الجديد، أي في ثوب الاقتصاد، فنحن لا زلنا مستوردين للحلول الاقتصادية من الغرب، فإن عطسوا أصبنا بالزكام، لارتباطنا بمفاهيمهم وبنوكهم ودورتهم الاقتصادية.
* ما الذي يجعل الاقتصاد الإسلامي مختلفا عن غيره من اقتصاديات العالم، كالرأسمالية والشيوعية؟
- النزعة الرأسمالية تميل إلى الحرية الفردية وحرية رؤوس الأموال، والنزعة الشيوعية تميل باختصار إلى مجموع الناس، والاقتصاد الإسلامي بين هذا وذاك، فلا ضرر ولا ضرار، والكوارث التي حلت بالشيوعية، كانت بسبب إغفال الجانب الآخر، وما يحل بالرأسمالية كذلك.
* هناك من يقول: «إن النظام الاقتصادي الإسلامي، هو نظام وسطي، لا هو رأسمالي ولا هو اشتراكي ولا هو شيوعي».. ما هو التفسير الصحيح لهذه المقولة؟
- هذا السؤال يندرج في الذي قبله، ومن هنا كان الاقتصاد الإسلامي وسطيا بين تطرفين، فلم يغلب الجانب الشخصي، ولم يغلب الجانب العام، بل يرتكز على مفاهيم أساسية، كتحريم الظلم بصوره وتحريم الجهالة والغرر، وهذه المفاهيم تنطبق على كافة مرافق الاقتصاد الإسلامي، سواء من حيث العقود والمعاملات والصرف والتجارة، أو من حيث حقوق العمال وغيرهم، ولو أفردت مجلدات لتفسير هذه الكلمات المقتضبة لاستوعبتها.
* يقال إن المصارف الإسلامية لا تقوم في واقع الأمر بالدور الكامل المناط بها، وإنما ببعض الأمور المشرعة.. ما مدى صحة ذلك؟
- إن المصارف الإسلامية بدأت في وضع كثير من الحلول الإسلامية لمقتضيات العصر، وفقا لفقه المعاملات، إلا أنها لم تقم بالدور الكامل، والدور الكامل يقتضي بيئة اقتصادية إسلامية كاملة، فالإسلام لا يتجزأ، ولا يمكننا أن نطالب نظام المصارف الإسلامية بوضع حلول لمشكلات مجتمع اقتصادي غير إسلامي، ومع ذلك فإن البنوك الإسلامية أمامها مشوار طويل تسير فيه لاستكمال حلول أكثر تلبية لاحتياجات المجتمع.
لا ضرر ولا ضرار
* الحرية الاقتصادية في النظام الاقتصادي الإسلامي.. هل هي مطلقة أم مقيدة، خصوصا ما يتعلق منها بحرية التعاقد وحرية التملك؟
- الحرية الاقتصادية في النظام الاقتصادي الإسلامي، هي حرية منضبطة بالقواعد الكلية الإسلامية، لا ضرر ولا ضرار، فللحرية حدود تقف عندها إذا دخلت في مجال الظلم والإضرار بالآخرين، وكذلك حرية التملك، فلا يمكن أن تبلغ حرية التملك إلى درجة الاحتكار، فالاحتكار ممنوع شرعا، وهو نوعان: كلي وجزئي. والإسلام يعطي بقوانين السوق، حرية كاملة، بشرط أن لا تتجاوزها إلى الظلم والاحتكار.
* استدل الفقهاء وعلماء الاقتصاد الإسلامي من الحديث الذي ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حينما ظهر غلاء الأسعار في عهده، صلوات الله عليه، فاشتكى إليه الناس وقالوا: (يا رسول الله، سعر لنا، فقال: إن الله هو المسعر القابض الباسط الرزاق، وإني لأرجو أن ألقى ربي وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة، في دم ولا مال)، على جواز تدخل الجهات المختصة لمكافحة الغلاء الناتج عن طمع التجار.. هل ما اتخذته هذه الجهات من إجراءات كافٍ لتخفيف عبء هذا الغلاء؟
- نعم صدق رسول الله، فالله هو المسعر، وهو ما نفهمه اليوم من قوانين السوق الخفية، فإذا زاد العرض انخفضت الأسعار، وإذا زاد الطلب ارتفعت، هذا في الوضع الأمثل حينما لم تكن هنالك قوة احتكارية تسيطر على منتجات العالم وتحدد أسعارها، أما اليوم وبعد أن فسدت الأسواق وتم التلاعب بها انتفى الشرط، فلا بد من إحداث قوانين للتسعير، ففي الوقت الذي تزداد الضغوط على المواد الأولية لخفض أسعارها، نرى ارتفاعا مطردا في المواد الصناعية غير مبرر.
ودول العالم الثالث للأسف، هي المصدرة للمواد الأولية، ودول العالم الأول هي المصدرة للمواد الصناعية، ومن هنا نجد غلاء الأسعار، لأننا نستورد التضخم، وهو ما يسمى بالاستقليشن (التضخم الركودي)، بل ونستورد الانهيارات المالية، لأننا ظنا منا بأن اقتصاديات الدول الصناعية متينة نودع فوائضنا المالية في بنوكها، فإذا حصل الانهيار في أسواقها أصاب مدخراتنا.
أما عن الطمع، فهو سجية في التاجر، وإذا ارتفع السعر لا ينخفض مرة أخرى، وهذه قاعدة اقتصادية، فمثلا حينما كانت أسعار السلع الأوروبية مرتفعة لارتفاع سعر اليورو مقابل الدولار، والدول الإسلامية تدور في فلك الدولار، لم تنخفض أسعار المنتجات الأوروبية، حينما انخفض اليورو أمام الدولار، وهذا عبث بين الوكلاء والمصدرين.
وأنا أعتقد أن نظام الوكالة، هو نظام احتكاري جزئي يتيح للوكيل التحكم في الأسعار بطريقة شديدة، وأنا أشبهه بما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من تلقي الركبان، وتلقي الركبان، هو أن يذهب الشخص الحضري لمن ينتسب للبادية، والبادية كانت مصدر السلع، حيث الزرع والثمار والخضار، فإذا عقدت الصفقة في غير محل بيعها، حصل التدليس في رفع الأسعار، والإسلام يريد أن تصل السلعة إلى مكان العرض والطلب، حتى يتم تحديد السعر العادل لها، وكل نظام الوكالات، هو أشبه بهذا.
وفي هذه الحالة على الجهات المختصة أن تسعر، طالما أن التجار تجاوزوا نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم، خصوصا في المواد الأساسية التي تمس حياة الأفراد وقوت يومهم. لذلك لا بد من تلمس الحاجة الفعلية للمواطنين والمقيمين، جراء الغلاء الحاصل، سواء بدعم المواد الأساسية لمعيشتهم أو ضبط الأسعار، فالمواطنون في جميع الدول الإسلامية يئنون من ارتفاع تكاليف المعيشة بسبب جشع التاجر، وغياب الأجهزة المعنية بمتابعة الأسعار ومراقبتها.
وعلى سبيل المثال، المواطن في الشرق الأوسط فقد 50 % من قدرته الشرائية، هل يمكننا تصور معاناة رب أسرة راتبه 4000 ريال، ما الذي حدث فيه في عام واحد؟ هل يستطيع الحصول على ما كان يستطيع الحصول عليه قبل عام؟ فالإيجارات والمواد الغذائية ومواد البناء ارتفعت، وكل شيء ارتفع، مما يحتم اتخاذ إجراءات كافية لتخفيف هذا العبء.
* الأزمة الاقتصادية العالمية التي نشهدها اليوم.. بدأت بوادرها الأولى من بلاد «العم سام»، وسرعان ما ألقت بظلالها على اقتصادات مختلف الدول.. برأيكم ما هو المتوقع أن تتخذه الإدارة الأمريكية الجديدة لتحرير أسواقها من الضائقة المالية، وبالتالي انعكاس نتائجها على بقية الأسواق العالمية، بما في ذلك السوق السعودية؟
- نحن من جعل بلاد العم سام نموذجا يحتذى به، ونقطة ارتكاز لاقتصاديات الدول الإسلامية، وإلا فأرض الله واسعة، لم لم نتعاون مع دول العالم الأخرى، لم لا نفك الارتباط بالدولار، الذي أصبح كالمجنون تارة في انخفاض وتارة في صعود، ولم يعد يصلح عملة للتداول الدولي، خصوصا للمواد الخام، فبسبب انخفاضه المستمر - إلا في بعض الفترات- تصاب اقتصاديات الدول الإسلامية بأضرار بالغة، لأنها كلها بلا استثناء دول مصدرة للمواد الخام، ولا أتوقع أن تستطيع الإدارة الأمريكية الجديدة التخلص من هذا الانهيار المالي وتوابعه في فترة وجيزة، لأن ما حصل كان تراكما لأخطاء أكثر من خمسة وعشرين عاما، والأزمة في الواقع هي أزمة مؤجلة، استطاعوا تأجيلها هذه المدة، فقد كانت ظاهرة ومعلومة لدى خبراء الاقتصاد، فقد وصل الانهيار بالنظام الرأسمالي إلى درجة بيع الوهم، وبيع ما لا يملك، وتقييم الأشياء بغير قيمتها الحقيقية، فلا بد لاقتصاد قائم على الوهم أن ينتج المآسي.
* نظام الزكاة الإسلامي معجزة من معجزات التشريع الإسلامي، كونه يأخذ بيد الطبقات الفقيرة حتى تستغني عن سؤال الناس، ولكن حال الأمة الإسلامية اليوم بعيد عن هذا المقصد.. كيف يمكن توظيفه ليؤدي الغرض المطلوب منه؟
- نظام الزكاة، هو معجزة ولكن للأسف نحن لا نملك الجرأة على تطبيقه، فوعاء الزكاة الذي تحصله الدول الإسلامية صغير، مقارنة بإجمالي الدخل القومي.
وعلى سبيل المثال: لماذا لا تفرض الزكاة على الأراضي، وهي عروض تجارة، وهذا سؤال سألته على مدى عشرين سنة على صفحات الجرائد، وتحديدا في جريدة عكاظ. وهنالك ما يسمى بالاقتصاد الساكن، الذي لا يفيد البلد، ولا ينتج إنتاجا جديدا، فالإنتاج الجديد يعني توظيف عدد أكبر من الأيدي العاملة، ولا يستخدم مواد خام جديدة، مما ينعش الاقتصاد، واتجه إليه المواطنون السعوديون، وهو اقتصاد المضاربات في الأسهم وفي الأراضي والذهب والفضة والعملات، وهي كلها عبارة عن انتقال مال من يد إلى يد، ولا تستخدم عناصر الإنتاج في مشاريع جديدة لازدهار الاقتصاد، لذلك انهارت الأسواق المالية الداخلية، بسبب المضاربات، وللأسف نحن نعاني من أمية اقتصادية، فالناس يشترون الأسهم بغير علم، ويدخلون المضاربات بغير علم، فتحل بهم الكوارث، ويستغلهم الكبار ولا تقع الأزمة إلا على الصغار.
لذلك أرى أن تطبق الزكاة على كل عملية تداول أسهم، لأنه اقتصاد ضار، وانفصلت في الحقيقة قيمة السهم عن الملكية الحقيقية للشركة، فحقيقة قيمة الشركة أقل بكثير من قيمة الأسهم، فأصبح السهم، كأنه ورقة مالية لا تعبر عن حقيقة، فلنردع هذا الاتجاه، إما بالزكاة أو الضرائب، ففي كل عملية تداول، يجب أن يخصم على الأقل نصيب لبيت المال للفقراء، وتوضع في صندوق خاص لدعم الأسواق المالية عند انهيارها، إلى أن نضع نظاما جديدا لتداول الأسهم، ينبع من احتياجاتنا، وقس على ذلك الكثير من القطاعات التي لم يطبق وعاء الزكاة فيها تطبيقا صحيحا، وهو مال الله، يجب أن يجبى، ويجب أن يوضع في مواضعه، حتى يحقق الغرض السامي من فرض الزكاة على العباد.
http://www.argaam.com/portal/Content...rticleId=97969