سكان حي الصنادق في عرعر بين مطرقة العوز وسندان الصفيح
عرعر - تحقيق: صغير العنزي تصوير : مفرح العنزي
حي "الصنادق" في عرعر أو مساكن الصفيح معلم بارز ولكنه ليس معلماً سياحياً وإنما منعطف خطر تشعر معه بفجوة كبيرة تستعيد معها ذكريات ما قبل النفط، وترتسم بين عينيك عشرات الأسئلة التي لا تملك إجابتها.
زرناه في فصل الشتاء فكان أطفاله غرقى وحالتهم رثة وسياط البرد تلذعهم دون أن يجدوا سياجا مسلحا يحميهم، ولا كسوة جديدة تحول بينهم وبين مربعانية شتاء الشمال القارس، ورأينا كباره - لحظتها- يتقطعون حسرة على حال أبنائهم وأسرهم، وكانت ملامحهم البائسة أبلغ من عباراتهم المقهورة...وعدنا إليه -مرة أخرى- والصيف يلقي بأشعة شمسه المتوهجة على مساكنه التي تحولت إلى أفران تلهب جسد هؤلاء المعوزين، والحال لم يتغير بل ازداد سوءا ؛ لأن الحلول الجيدة والفاعلة تكاد تكون غائبة أو متأخرة حتى هذه اللحظة، وكل ما هنالك وعود لم يتحقق منها شيء.
ولأن المجتمع شح على سكان هذا الحي بالحلول الحاسمة والسليمة واكتفى بأن يقدم لهم لقمة عيش أو فتات نقود لا يحصلون عليها إلا بعد أن يقفوا في الطوابير أو ينتظروا طويلا أمام أبواب الجهات المعنية التي تجزئ حل مشكلتهم وتكتفي بما يسد جزءا من بطون أطفالهم وفي جزء من الوقت -أيضا، ثم تتركهم بعد ذلك ينتظرون فصلا مماثلا وحلا يشبه ما سبقه؛ حتى غدت دفاتر مدارس أبنائهم وبناتهم عبئاً يثقل كاهلهم؛ ففضلوا أن يبقى عدد من هؤلاء الأبناء خارج دائرة التعليم الذي لا يستطيعون تحمل مصروفاته، وهم بذلك أراحوا أنفسهم من سخرية أطفال الآخرين على ملابس أبنائهم المهلهلة.
(بيت ملك)
وقد قامت "الرياض" بجولة في هذا الحي حيث التقت عددا من المواطنين وتحدثت معهم حول معاناتهم، وفي البدء زرنا المواطن قعيران مبرد الذي تبدو عليه ملامح الشيخوخة والبؤس فتحدث عن معاناته قائلا: أنا كبير في السن، وليس لي مصدر دخل غير ما يأتينا من الضمان الاجتماعي وليس عندي أي عائل ولا مصدر آخر ولا بيت ملك يستر أبنائي وبناتي السبعة، ومعاناتنا في الصيف والشتاء متشابهة، ونحن بأمس الحاجة إلى معونة مادية، وأهم من ذلك توفر سكن فهو مشكلتنا الكبرى.
(وظيفة صغيرة)
أما المواطن عراك بن فريج فقد ذكر أنه يعيش على راتبه من وظيفة صغيرة، ولكنها لا تسد جزءا بسيطا من احتياجات عائلته الكبيرة المكونة من عشرة أفراد، ويضيف : حرمتني الوظيفة من أن يكون لي معاشا من الضمان، وليس لنا بعد الله إلا مواقف حكومتنا الرشيدة ثم أهل الخير، ونحن بلا سكن، وقد يكون بيننا من منح قطعة أرض لكنه باعها ليسد بعض حاجات أطفاله.
وعن معاناتهم مع فصلي الشتاء والصيف يقول: نعاني أشد المعاناة في الشتاء خاصة؛ لأن أطفالنا لا يستطيعون مقاومة موجات البرد القاسية، وحالنا مثله في الصيف؛ فالكهرباء مؤجرة تشاركنا في مصرف أسرنا إذ ندفع لها شهريا 250ريالاً، وهي تنقطع يوميا في أوقات معينة، ولا يوجد عندنا من وسائل التبريد ما يكافح لهيب الصيف الشديد.
(مشكلة المدارس)
ويتحدث عبد الله عفوج سعد عن مشكلته الخاصة ومشكلة سكان هذا الحي فيقول: أنا غير موظف وليس لي مصدر مالي إلا معاش الضمان الاجتماعي، وهو لا يكفي حاجات أسرتي الضرورية فأنا أعول خمسة أفراد وأقسم مكافأة الضمان بين رسم الكهرباء الثابت 250ريالاً، وقيمة شراء الماء، وشراء ما يحتاجه أبنائي من ضرورة المأكل والملبس.
ويشير عبد الله إلى مشكلة كبيرة تؤرق سكان صفيح عرعر فيقول: من الصعوبات التي نواجهها كلنا مشكلة المدارس، فلا توجد مدرسة قريبة منا، وعندما يذهب أبناؤنا إلى أقرب مدرسة يتعرضون لعبور شارع خطر تمر به السيارات مسرعة، هذا غير ما يتعرض له أبناؤنا من الضرب أثناء ذهابهم وإيابهم، وهذا أصعب من الحاجة نفسها، فأبناؤنا يتعرضون يوميا للعنف لبعدهم عن سكنهم، وإن كانوا هم في الأصل بلا سكن لأن هذه الصنادق لا تحمينا من برد الشتاء ولا حر الصيف.
(تقلبات الشتاء والصيف)
أما مفرح عقيل فيتحدث بألم عن مشكلته حيث يقول: أحلت إلى التقاعد من عملي، فلم تتجاوز مكافأة التقاعد 1725ريالاً، وعندي اثنا عشر فردا أعولهم، فكيف أستطيع أن أقوم بسد أبسط ما يحتاجونه، وكان الأمر في البداية أهون لأنني كنت أحصل على مكافأة من الضمان الاجتماعي، ولكن بعد ذلك رفضوا، وقالوا: مالك شيء إلا إذا أتيت بتقرير، وبقيت على هذه الحال، أعاني من رسوم الكهرباء 250ريالاً، وشراء الماء، ثم بعد ذلك لا يكفي ما يتبقى من التقاعد حتى لشراء أشد ضروريات أسرتي، يضاف لذلك أننا بلا سكن يحمينا من ظروف تقلبات شتاء وصيف الشمال القاسية عدا هذه الصنادق التي هي اسم سكن فقط، وحتى الذي عنده منحة أرض منا باعها من أجل أن يطعم ويكسو أطفاله.
(تطاير الصفيح)
الجدير بالذكر أن كل من قابلناهم ذكروا أن هذا الصفيح يتطاير في أوقات الرياح - كل عام- وكثيرا ما بحثوا بعد هدوء هذه العواصف عن أجزاء سكنهم المبعثر هنا وهناك؛ فأعادوا من جديد أجزاء منزل يأوون إليه، وإن كان في حقيقته أوهى من بيت العنكبوت.
ويضيف هؤلاء السكان : عندما تهب هذه العواصف، وأحيانا أثناء نزول الأمطار؛ نلجأ مع أسرنا إلى أحضان الجبال المجاورة فنستكن فيها إلى أن تنتهي هذه العواصف، وخلال هذه الظروف نمر بلحظات عصيبة لا يمكن لنا أن نصف شدتها، فضلا عن الرعب الذي نعيشه خلال لحظات تطاير قطع الصفيح ذات الأطراف الحادة التي تحولت إلى سلاح فاتك يدمر من يكون في طريقه، وأسعدنا حظا من كان له أقارب في أحد أحياء المدينة حيث يذهب إليهم إلى أن تهدأ الظروف، ثم يعود ليجمع شتات صفيحه المبعثر في مسافات طويلة، وقد لا يجده إلا بعد مئات الأمتار.
(شكوى الأطفال)
من جهة أخرى وجدنا الأطفال الذين حضروا جولتنا في هذا الحي يتهافتون إلينا ليشكوا سوء حالهم، ظنا منهم أننا نملك حلا سريعا لمشكلتهم، وتحدث الأطفال(عبد الكريم، وعايد، وعبد الله، وماهر) عن مشكلة قطعهم مسافة طويلة إلى المدارس سيرا على الأقدام وتعرضهم-أثناء الخروج من المدارس- للاعتداء والتهديد بالضرب بالأيدي بشكل شبه يومي، وربما وصل الأمر إلى تهديدهم بالسكاكين مما زرع الرعب في نفوسهم، وهو مما قد يجعلهم يكرهون الدراسة أو على الأقل تشكل لهم قلقا ينتابهم فيفسد عليهم أجواء طلب العلم، ويجعل الخوف يستبد بهم. وفي نهاية الحوار أكد كل من حضروا هذا اللقاء أن من حولهم من السكان أنهم يحملون أوراقا ثبوتية، وإذا كان هناك أحد لا يحمل هذه الأوراق فإنهم لا يشكلون نسبة كبيرة.
(حقوق الإنسان)
"الرياض" اتصلت بنائب رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الدكتور مفلح القحطاني وسألته عن وضع أهل هذه الصنادق حيث لا تزال قضيتهم معلقة فقال: يفترض أن الجهات المعنية قامت بدورها في مسح هذه المناطق، وتحديد أسباب مثل وجود أحياء الصفيح التي تحد المدينة والعمل على تقسيم سكانها إلى فئات ومن ثم من كانت ظروفه المادية لا تمكنه من تحسين وضعه وينطبق عليه نظام الضمان الاجتماعي وهو لا يستفيد منه يدخل في الضمان
الاجتماعي، ومن يمكن أن يقدم لهم منح أراض يقيمون عليها منازل يمنحون، فلا بد من دراسة وضعهم.
وعن بطء التحرك في مشكلة هؤلاء السكان، قال: للأسف إن هناك بطئاً عند بعض الجهات التنفيذية أو الجهات المختصة في مثل هذه الموضوعات عند متابعة مثل هذه الأمور، ويلزم على القيادات الإدارية في هذه الوزارات والمصالح بمتابعة هذه القضية لإنجاز مثل هذه الأوضاع، ويفترض عندما يكتشف خلل معين معالجته بسرعة خاصة في ظل الظروف الحالية فالفترة تسمح في معالجة مثل هذه الأوضاع قبل أن نكتشف بعض المآسي عندما يحل فصل الشتاء، وتبدأ الإشكالية من جديد،
وعن متابعة حقوق الإنسان لهذه القضية يقول: نحن نتابع مثل هذه القضايا بشكل دائم، وحتى الجهات المسؤولة مكلفة نظاما أن تقوم بواجبها في هذا الأمر، وعن مشكلة عجز بعض هؤلاء السكان عن تعليم أولادهم وآثار ذلك، يقول: لابد من دراسة أوضاع ساكني هذه الأحياء ثم تحديد أسباب المشكلات ما هي؟ هل هي مادية؟ وحينئذ ينبغي وضع برامج للرفع من مستواهم، أم هي مشكلة عدم وجود أرض فينبغي على البلديات تيسير حصولهم على منح، أم هي قضية أوراق ثبوتية؟ فينبغي على الجهات المختصة تصحيح وضعهم النظامي والعمل على إعطائهم أوراقاً ثبوتية، أم أن المشكلة هي عدم توفر الخدمات مثل المدارس وغيرها؛ فينبغي العمل على توفير مثل هذه الاحتياجات.
(الضمان الاجتماعي)
من جهة أخرى سألت "الرياض" مدير عام إدارة الضمان الاجتماعي بمنطقة الحدود الشمالية الأستاذ الرمضي بن قاعد العنزي عن دور الضمان تجاه هذه الفئة، وعن اللجان التي شارك فيها لبحث حال سكان هذا الصفيح، فقال:
(قام
الضمان الاجتماعي بتوجيهات من قبل سمو أمير منطقة الحدود الشمالية الأمير عبد الله بن عبدالعزيز بن مساعد آل سعود، ومتابعة وتوجيه من معالي وزير الشؤون الاجتماعية وكذلك وكيل الوزارة الأستاذ محمد بن عبد الله العقلا بإجراء مسح شامل لهذه الفئة من المجتمع في مدينة عرعر، وتمت دراسة أوضاع سكان هذا الحي اجتماعيا واقتصاديا في وقت سابق، وشملتهم-ولله الحمد- خدمات الضمان الاجتماعي سواء بالمعاشات الضمانية أو المساعدات المقطوعة، كما وجه سمو أمير المنطقة الجهات الحكومية والأهلية بالوقوف على حال هؤلاء السكان ومساكنهم وتقديم المعونات المادية والمعنوية لهم، وكذلك وجه سموه أيضا بتكوين لجنة من عدة جهات حكومية ومنها جهات أمنية تقوم بدراسة شاملة لهذه الفئات والمساكن من جميع النواحي اجتماعيا واقتصاديا وأمنيا، حيث كانت هذه اللجنة بإشرافي، وقد أنجزت هذه اللجنة كثيرا من مهامها، وحاليا تعكف على تحليل البيانات التي تم جمعها من خلال البحث الميداني لهذه النوعية من المساكن وربط متغيراتها وفق منهجية علمية، وستعرض نتائجها على سموه... (سبحان الله دايم الكذب يبين)
(هيئة الإسكان) من جانبها "الرياض" حاولت الاتصال بمحافظ الهيئة العامة للإسكان الدكتور شويش بن سعود المطيري لعرض هذه القضية ومعرفة رؤية الهيئة، ولكننا لم نتمكن من الوصول إليه، ومن هنا رأينا أن نطرح هذه القضية -عبر هذه الصحيفة- أمام هيئة الإسكان، وأمام كل هيئات ومؤسسات الإسكان الخيري في هذا البلد المعطاء.