قراءه في بيئة الفساد والإفساد (2)
د. سليمان المشعل
كان لنا في الجزء الأول من هذه القراءة التشخيصية لواقع بيئة الفساد طرح تناول تعريف وأسباب وتداعيات الفساد في المجتمع، وسنلقي الضوء في هذه العجالة على محور خاص يدور في فلك شمولية الفساد من الناحية الاجتماعية والأخلاقية والمتمثل في ''إفساد البيئة المهنية والإدارية'' وهو مصطلح جديد أكثر خصوصية وخطورة من مفهوم الفساد بصفه عامة؟ ويعتبر في عرف ومعطيات البيئة الحضارية والمدنية ـــ حجر عثرة ـــ أمام تطبيقات التخطيط الاستراتيجي ومسيرة التنمية الشاملة للدولة، حيث يشترك في توافر وتنامي هذا السلوك السلبي وغير الحضاري فئتان أو شريحتان في المجتمع، الأولى تتمثل في شريحة إدارية معاصرة مدركة مع الأسف للرغبة الجادة من الدولة وصناع القرار في عمليه التطوير ومواكبة التسارع العلمي والحضاري والتقني في دول العالم، وهم في الغالب من رواد المدرسة الإدارية الكلاسيكية ''البيروقراطية'' التي تعمل في بعض المنظومات الحكومية منذ فترة ليست بالقصيرة أو من (تلامذة هذه المدرسة) تتسابق في التنظير الإداري للأنظمة والقوانين والتوجهات العملية الحديثة في المؤتمرات والندوات فقط دون المشاركة العملية في دعم أو تفعيل بنود ومواد هذه الخطط الاستراتيجية، مع الأخذ في عين الاعتبار دورها السلبي في تهميش أو قتل طموح الكفاءات العلمية والمهنية الموجودة في هذه المنظومات من المشاركة والتفاعل في خدمة مسيرة العطاء والنماء، أما الفئة الأخرى والتي يقل عددها ونسبتها عن الأولى فروادها هم من بعض أصحاب ما يعرف بمكاتب الوساطة والخدمات العامة من العاملين في القطاع الخاص والتي تربطهم علاقة عمل ومصلحة مع أساتذة وتلامذة المدرسة السابقة أو من يحاكي هذا التوجه المهني في طبيعته وشخصيته وسلوكه، حيث تسمح هذه السيكولوجية الاجتماعية مع ظاهرة الجشع المادي والتنفع السريع في توافر مجموعة أو ''لوبي'' لخدمة وقضاء (المصالح، المعاملات، التوظيف، المشاريع، ...) من خلال دفع رسوم مالية مقابل الحصول على هذه الخدمات والوساطة على حساب الأمانة والشرف والمفاضلة والأولوية والمصداقية وجودة الإنتاجية والمقاييس والمعايير المتوافرة في الأنظمة..؟ وهنا نجد التناقض المتمثل في كون ما تم الإشارة إليه هو (أصل وجزء من المشكلة في الوقت نفسه)، وكأني بلسان حال رواد وعشاق هذا المصطلح يجسدون طبيعة سلوكهم وشخصيتهم الأنانية في بيت الشعر من قصيدة ''أبو فراس الحمداني'':
معللتي بالوصل والموت دونه
إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر
هناك قراءة خاصة من الواقع تساعد في ''تشخيص وعلاج بيئة الفساد الإداري والمهني ''أرغب في طرحها ومناقشتها لمعطيات الفساد الراهن على النحو التالي: يوجد نوعان من أنواع الفساد في مجتمعنا، النوع الأول يصعب جراحيا اجتثاثه والقضاء عليه من جذوره بصفة نهائية وسريعة ويتمثل في إعادة مراجعة وتعديل أو تغيير بعض القوانين والأنظمة بالكامل، مع ملاحظه وجود تداخلات بين الجهات الرقابية الحكومية الخاصة مع الإدارات الرقابية داخل الهيكلة التنظيمية لبعض المنظومات الخدمية الحكومية.. وهذا يعقد الموضوع أكثر خصوصا فيما يتعلق بموضوع هدر المال العام؟ أما النوع الآخر الذي يفترض التركيز على تفعيل وتهيئة الحلول العملية المناسبة له عطفا على سهولة المعالجة وشمولية التفاعل المتوقع من الفرد والمجتمع في واقع حياتهم المهنية والوظيفية من جراء تضرر فئة كبيرة من المواطنين والمراجعين عند متابعة مصالحهم ومعاملاتهم اليومية في الدوائر الحكومية والمتمثل في (عدم الالتزام والاحترام لمواعيد وتوقيت فترة العمل الرسمي، تعقيد وطول بعض الإجراءات الإدارية والتنظيمية، سوء التنظيم والتنسيق والتواصل داخل المنظومة نفسها، الاعتماد على موظفين بصفتهم الشخصية فقط في طبيعة عمل خدماتي أو تنفيذي، حيث يتعذر إنجاز هذا العمل في حالة غياب أو انشغال هذا الموظف).
ولكن في المقابل وعلى المستوى الفردي.. هل مصدر الخطورة أو التخوف من تدني نزاهة أو فساد بيئة العمل هو الخطر الوحيد على المجتمع؟ أم أن هناك تداعيات سيكولوجية ونفسية واجتماعية أخرى على من تورط أو نظر لهذا السلوك والنهج؟ تشير الدراسات والأبحاث التربوية والاجتماعية إلى توافر سلبيات على مستوى السلوك الشخصي لهذه الفئة خارج نطاق مكان العمل تتمثل في (تنامي وملاحظة الإهمال والاستهتار بالصالح العام، التعامل والتفاهم بالفكر والنهج نفسه في مختلف أنشطة ومناسبات المجتمع، تزايد الشعور بالقلق والخوف والاضطرابات النفسية والاجتماعية رد الفعل العكسي والسيكولوجي على هذه الفئة في محاولة الجذب والتأثير على فئات أخرى في المجتمع، تدني نسبة الشعور والحضور والتفاعل في الأنشطة الوطنية).
خاتمة: الجواب والرد من جميع شرائح المجتمع بما في ذلك التخطيط الاستراتيجي للدولة الرافضة لهذا النهج والسلوك، والداعمة لتوجه محاربة الفساد وحب الخير والصالح العام للجميع يتمثل في قول الشاعر ''أبو العلاء المعري'':
فلا هطلت علي ولا بأرضي
سحائب ليس تنتظم البلادا
http://www.aleqt.com/2011/12/06/article_604404.html