عرض مشاركة واحدة
قديم 06-02-2011, 11:22 AM   #9
البرق الشهري
مقاطع

 
رقـم العضويــة: 15035
تاريخ التسجيل: May 2010
المشـــاركـات: 65

افتراضي

وصلني بالبريد :

لو أنهم يخجلون


عبد المحسن هلال

تمهيد:

هذا مقال أكثر من عادي عن كارثة أمطار مدينة جدة، لكنه منع من النشر، وليس شيئا كبيرا أن يمنع مقال من النشر، فوزارة إعلامنا لا تعلم أن أي مقال تمنعه إنما تمنحه شهرة قد لا يحصل عليها لو نشر في صحفها التي تخنقها بتعليمات جديدة كلما ألم بنا خطب أو حدث جلل.

طلبت مني الصحيفة إجراء بعض التعديلات وبعض الحذف، رفضت لأني لو فعلت لأصبح مقالا من مقالات صحف الحائط المدرسية علي شاكلة الشمس مشرقة والقمر منير، أو علي طريقة كله تمام يا أفندم.


فكرت قبل بعثه للنت أن أضيف إليه ما منعتني رقابتي الذاتية من كتابته لرغبتي بنشره في صحفنا الرسمية وصولا لقارئ يصعب الوصول إليه في غيرها، لكني امتنعت وفضلت إضافة ما أود بشكل منفصل ليقرأ كما كان سينشر لمعرفة مدى عاديته وأن ليس به ما يدعو للحجب لولا اجتهادات شخصية.


ما أود إضافته ليس كثيرا ولكني أريد انتهاز فرصة نشره في غير المواقع الرسمية لتبيان عدة نقاط، منها:

1- عدم جديتنا في تطبيق مبدأ المحاسبة برغم معرفة حتى الرجل العامي بأبطال الجريمة والكارثة التي وقعت في جدة.

2- أن اللجنة المشكلة للتحقيق معظم أعضائها موظفين حكوميين، أي من الجهاز التنفيذي، وكان الواجب أن تكون لجنة مستقلة أو علي الأقل من سلطة أخرى من السلطات الثلاث حتى لا يكون فيها الخصام وهي الخصم والحكم، بمعنى زملاء يحاكمون زملاء.

3- كيف تشكل لجنة جديدة ولجنة العام الماضي لم تعلن نتائجها ولا ألقى القبض علي أحد ولا أُتهم أحد ولم يتم اتخاذ أي إجراء طوال عام.

4- أن من أعضاء اللجنة الحالية والسابقة جهات متهمة بالتقصير كديوان المراقبة العامة وهيئة التحقيق والإدعاء والمباحث الإدارية لتقصيرهم في القيام بمهامهم طوال السنين الماضية وخصوصا طوال العام الماضي.

5- اتضاح براهين عدة لحالات فساد ظاهرة، منها السدود الترابية، بمعنى عقوم بدائية جرى تغطيتها بفرشات إسمنتية لم تكلف آلافا قليلة ومع ذلك سجلت بملايين ثم انهارت مع أول موجات السيل فأغرقت كثيرين ودمرت ممتلكات أكثر، لم يوقف من قام بها ولا من استلمها.

6- فتح باب التبرعات. شيء جميل أن نرى هذا التلاحم الشعبي للوقوف مع ضحايا مأساة جدة، ولكن هل يعقل جمع تبرعات شعبية لمواجهة كارثة في دولة من أعلي دول العالم إنتاجا للنفط ودخلا منه.

7- لم نسمع عن قيام جهات حكومية أو شبه حكومية للتبرع، وتذكرون تبرع آرامكو وغير آرامكو للوزيانا وغير لوزيانا، وقد نسمع عن تبرعات مليارية لكوارث استراليا قريبا.

8- جهود تطوع شباب جدة الرائعة في الإنقاذ ورعاية المنكوبين جرى ترسيمها وتقليم أظافرها بتبريرات غير معقولة ولا مقبولة كدعوى الاختلاط والتجمع والتجمهر المؤدي لظهور الاحتجاجات، ومن ثم تم تحجيمها.

9- في العام الماضي كانت الحجة المفاجأة وهذا العام كبر حجم السيول وكل هذا تبرير تم من أعلي المستويات الإدارية في جدة.

10- ولكي ينطبق أكثر المثل الشعبي: لا أرحمك وأخليك ولا أخلي رحمة ربي تجيك، تم منع المنكوب من مجرد الأنين بشكواه أو الجأر ببلواه، وتم منع كتاب ومذيعين من نقل شكوى المنكوبين.

أعتذر للإطالة وإليكم الآن المقال الأكثر من عادي:


يراودني شعور بالذنب كلما هممت بالكتابة عن الفساد والمفسدين، لا بسبب انعدام الصدى لما أكتب، فهذا حال معظم، بل كل، من يكتب عن انتشار الفساد وتمكن المفسدين، لكن لشعور داخلي ولده عتاب صديق لدود أن من ينتقد إنما يكتب ذرا للرماد في العيون، أو لمجرد إراحة الضمير ورفعا للعتب، وأن كتاباتنا تنفس غضب القراء، وتعطي شعورا كاذبا بالراحة يسقط الرغبة في مزيد من الحركة طالما أن هناك من عبر عنهم وإن بأضعف الإيمان، فإن حدث رد فعل من المسئولين فنعما هي، وإلا فالقول جاهز أن ليس بالإمكان أبدع مما كان.


يغلبني هذا الشعور أحيانا فاعزف عن الكتابة واكتم زفراتي، غير أن سؤالي الناشب: ما البديل؟

فأعود لحيرتي يظللني قول شاعرنا الشعبي البديع: إن حكينا ندمنا وإن سكتنا قهر.

حتى لو أختار الكاتب الندم كأهون الشرين، حينها سيحتار القلم ماذا يكتب، بالأحرى ماذا سيكرر قوله؟

منذ سنين والأقلام تئن وتكتب عن الفساد والمفسدين وعن تعطيل أنظمة مكافحته، سواء في جدة أو غيرها وسواء عن مشاريع تصريف المطر الورقية أو غيرها من المشاريع الوهمية.

وقد أعجبني اختصار البعض للقضية في عدم توافر بالوعة.

تصوروا أن تصبح كل أماني سكان المملكة وجود بالوعة تحميهم من السيول، أن تصبح أقصى أماني مدينة جدة مجرد وجود بالوعة تواري سوءات تنظيمها، وأن افتقاد هذه البالوعة يودي بحياة كثيرين وممتلكات كثيرة، تصوروا أن صرف ملايين، إن لم تكن مليارات الريالات في مدينة واحدة كجدة، علي مدار سنين لم ينجح في إعادة اختراع العجلة بصنع هذه البالوعة، أو مجرد مجرى لجر سيول الماء من الوادي إلي البحر القريب، فماذا لو كانت جدة مدينة داخلية؟

تصوروا أن كل مسئولي جدة من البيه صاحب العمارة إلي البيه بواب العمارة، وعلي مدار نصف قرن، رسبوا في امتحان البالوعة هذا.

لم ينجح هؤلاء في إيجاد بالوعة تصريف المياه لكنهم نجحوا وبامتياز في خلق بالوعة شفط الأموال، وأعجب ممن يعيد جزءا من مشاكل جدة لنقص في التمويل، أو لسوء في الإدارة، هل فتشتم بالوعة الأموال هذه وبحثتم عن مدرائها؟

منذ ثلاثين عاما بدأت مشاريع تصريف سيول جدة، منذ أربعين عاما بدأت مشاريع صرفها الصحي، منذ خمسين عاما بدأت مشاريع بناها التحتية، هل سألتم أين ذهبت أموال هذه المشاريع؟

هل تسقط الجرائم بالتقادم، فإن أسقطت لقدمها، فكيف تسقط جرائم العام الماضي القريبة، كيف تسقط والكارثة تتجدد كل عام لأن مرتكبها أمن العقوبة؟

ليس الأمر سوء إدارة، كما يزعم البعض، وإنما جودتها في سرقة الأموال العامة وحسن مداراة الأمر.

السكوت عن قول الحق عمل شيطاني، كذلك فإن السكوت عن جرائم الفساد نوع من التشجيع له، نوع من المشاركة فيه، نوع من تقاسم غنائمه، لذا أجدد دعواي لأمير المنطقة ومحافظ المدينة بالضرب بيد من حديد علي القديم من الفساد والجديد.

تعالت الأصوات أخيرا بتطبيق مبدأ المحاسبة وكأنه اكتشاف جديد وقد مل القلم من تكرار المطالبة به، سؤالي إذن من سيحاسَب، فالقائمة طويلة واخشي من توزيع دم الضحية، ولإراحتكم أقترح التالي، أول من يجب أن يحاسبه حاكم المنطقة الإداري، أميرها حسب تسمياتنا الإدارية، هيئة الرقابة والتحقيق وهيئة التحقيق والإدعاء العام لعدم قيامهما بواجباتهما، وهي واجبات واضحة حسب نظامهما المنشور، فإن لم يتمكنا، لسبب أو آخر من تنفيذ مهامهما، كان الواجب عليهما تبليغ مرجعهما أو تقديم استقالتيهما، سكوتهما يعني إخلالهما بواجبهما، إن لم أقل بتسترهما علي الفسدة.

إدارة المباحث الإدارية كذلك لم تقم بواجبها ولم تتفقد ما يدور تحت أنفها، بينما مؤسسات شفافية دولية تبعد عنا بآلاف الأميال تحدثت عن الفساد لدينا ورتبت مركزنا علي سلمه، وهو مما نشرته بعض صحفنا.

يتبع هؤلاء في سلم الحساب إن كنا جادين حقا، هيئة الدفاع المدني، وهي مصلحة للإطفاء ضخمت اسمها ودورها دون مبرر، وإلا هل يكفي مدينة بحجم جدة خمسة حوامات مارست دورها بانتقائية عجيبة، أما إدارات المرور والشرطة فحدث ولا حرج، تكرر اختفاءهما، كما حدث سابقا مع أول زخة للمطر، وسيتكرر لأنهم لم يحاسبوا سابقا.

أترك أمانة جدة التي كذبت علي وزيرها بالحديث عن متانة الاستعداد وأضحوكة الحاجز النفسي، أترك سدودها الترابية التي كلفت ملايين، وحلولها الهلامية التي أزهقت أرواح كثيرين، أترك اتفاقها واختلافها مع مقاوليها الأساسيين والباطنيين، أترك هشاشة خططها التنفيذية ومخططاتها الورقية.

أترك كذلك مصلحة المياه ومشاريع صرفها الديناصورية التي نجحت في اختلاق بالوعة الأموال وفشلت في اختراع بالوعة المياه، أترك شركة الكهرباء تغوص في وحل تخبطاطتها الإدارية وانقطاع تياراتها الصيفية، أتركهم جميعا لتقدير صاحب الأمر فقد بدا لنا، معشر الكتاب، أنهم محصنين ضد النقد، بعد أن أعيانا تبيان الأمر لصاحب الأمر.

إضافة لمن برر كارثة العام الماضي بالمفاجأة والحالية بكبر الحجم، هناك من أفتى مجددا بمسألة ذنوب المنكوبين، سؤالي، بعد اليقين أن بعض المصائب يقدرها الله سبحانه تخويفا وتطهيرا لعباده المؤمنين، هل يختص هذا بالفقراء المساكين دون الأغنياء المترفين؟

ألا يعد هذا تبريرا للفساد وتشجيعا للمفسدين، ألا يعتبر سوء تفسير لمقاصد الشريعة من الاحتساب وطلب المثوبة والتعويض منه سبحانه وتعالى عند المصاب.

ها أنتم أفرحتم الفسدة وخلقتم لهم أعذارا وأكربتم المنكوبين وأضفتم لهم أحزانا، فهل هذا من حكمة الدين، هل هذا دور العلماء المصلحين؟

اتقوا الله في من فقد عزيزا أو تيتم أو ترمل أو فقد ما أمضى العمر لامتلاكه بسبب فاسد ظالم، اتقوا الله ولا تنصروا الظالم علي المظلوم.

___________________________

البرق الشهري غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس